خطبة بعنـــــــوان:
الصلابة في مواجهة الجوائح والأزمات
والأخذ بأسباب العلم والعمل الجاد
طريق العبور نحو المستقبل
للشيخ / محمد حسن داود
17 جمادى
الأولى 1442هـ – 1 يناير 2021م
لتحميل الخطبة : word ( رابط مباشر) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : word (نسخة أخرى، برابط مباشر) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf ( رابط مباشر) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : word ( جوجل درايف) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : word (نسخة أخرى، جوجل درايف) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf ( جوجل درايف) اضغط هنا
العناصـــــر :
- الابتلاء من سنن الله (سبحانه وتعالى) في خلقه.
- الصلابة والصبر في مواجهة الجوائح والأزمات.
- التحلي بالأمل.
- الأخذ بأسباب العلم والعمل في مواجهة الجوائح والأزمات.
الموضـــــوع:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جعل الله (سبحانه وتعالى) الحياة الدنيا
متقلبة الأحوال، لا تستقيم على حال، فكما فيها السرور فيها الحزن، فالابتلاء من
سنن الله (عز وجل) في خلقه، قال تعالى (وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)الأنبياء35) وقال سبحانه (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ
الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْغَفُورُ)الملك1-2) يبتلى المرء على حسب دينه؛ فعن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ (رضي
الله عنه)، قال: قُلتُ: يا رسولَ الله، أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال" الأنبياءُ،
ثم الأمثَلُ فالأمثَلُ، فيُبتَلَى الرجلُ على حسبِ دينِه؛ فإن كان دينُه صُلبًا
اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دينِه رِقَّة ابتُلِيَ على حسبِ دينه، فما يبرَحُ
البلاءُ بالعبدِ حتى يترُكَه يمشِي على الأرض ما عليه خطيئة" رواه الترمذي
وقال حسن صحيح)
ولقد دعانا الإسلام أن لا ننهار أمام الشدائد
والجوائح والأزمات، وإنما نواجه ذلك بالثبات والتماسك والصبر فقد قال تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة 155- 157). فمهما أشتد
البلاء، ومهما تعسرت الأحوال وضاقت، يأتي الأمل في رفعه وزواله شعاعا يضيء دياجير الظلام،
يحطم جدران الحزن والألم، فقد قال تعالى (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)
وعن ابن مسعود (رضى الله عنه) أنه قال: " لو كان العُسْرُ في جُحرٍ لتَبِعَهُ
اليُسْر، حتى يَدخُلَ فيه فَيُخْرِجَه، ولن يغلِبَ عُسرٌ يُسرَيْن". ولله در القائل
يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ
*** أَبْشِرْ بخيرٍ فــــــإنَّ الفارجَ اللهُ
إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بهِ *** إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ
اللهُ يُحْدِثُ بعـــدَ العُسرِ مَيْسَرَةً *** لا تَجْزَعَنَّ فـــــــإنَّ القاسمَ
اللهُ
ولقد ضرب لنا الأنبياء (عليهم الصلاة
والسلام) أروع الأمثلة في مواجهة الأزمات والتحلي بالأمل، أمرا يدعونا إلى أن
نمتثل هذه القيمة النبيلة، فهذا سيدنا أيوب (عليه السلام) رغم ما كان به من داء إلا
انه لم يفقد الأمل في الشفاء، قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ
مِنْ ضُرٍ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى
لِلْعَابِدِينَ)الأنبياء 83 /84) وهذا سيدنا يونس (عليه السلام)، وهو في ظلمات ثلاث،
لم يكن ليفقد الأمل وهو على يقين تام بأن الله (جل وعلا) يسمعه ويراه ويعلم ما به؛
قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ
مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ
نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)الأنبياء87، 88) وهذا نبي الله يعقوب (عليه السلام)، يفقد ابنه
يوسف (عليه السلام)، ثم أخاه، فيصبر على محنته وبلواه، إذ لم يترك لليأس مجالا فيثبطه،
بل تفاءل ورجا أن يجد لمحنته مخرجا، فقال بقلب مملوء باليقين، وإحساس الصابرين المتفائلين
(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ) يوسف 83)، وما أجمله من تفاؤل وأمل، تعززه الثقة بالله حين قال (يَا بَنِيَّ
اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف87) ثم
تأتى البشارة، قال الله (جل وعلا): (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي
لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي
ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ
بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
) يوسف94-96).
كما ملأ الأمل والتفاؤل حياة النبي (صلى
الله عليه وسلم)، حتى رسّخه مبدأً ساميًا، وقيمة نبيلة، حرى بنا أن نعلى من
مكانتها في قلوبنا، بل في جميع مناحي حياتنا، فعن ابنِ عَبَّاسٍ (رضي اللهُ عنهما)
قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلم) يَتَفَاءَلُ وَلَا يَتَطَيَّرُ،
وَيُعْجِبُهُ الاسْمُ الْحَسَنُ" رواه أحمد) وعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ (رضي اللهُ عنه): أَنَّ النَّبِيَّ (صلى اللهُ
عليه وسلم): قَالَ: "يُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ"
رواه البخاري ومسلم) وعن ما كان في الغار ساعة الهجرة؛ يقول أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (رضي
الله عنه)، انَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ (رضي الله عنه) حَدَّثَهُ ، قَالَ : " نَظَرْتُ
إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا
تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا
" رواه مسلم) كما
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) حريصا على أن يبث روح الأمل في قلوب أصحابه مما
يدعونا إلى التحلي بهذه القيمة العظيمة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "يسِّروا
ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا" متفق عليه) وقال: " وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ
" رواه مسلم ).
إن الأمل والإيمان بينهما علاقة وطيدة
ورباط وثيق؛ فالمؤمن أوسع الناس أملا وأكثرهم تفاؤلا واستبشارا، إذا أَعْسَرَ أو ضاق
به أمر، لم ينقطع أمله في اليُسْر والفرج؛ فقد قال تعالى ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)الشرح5/6) ويقول رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) " وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".
وإذا سعى، لم ينقطع أمله في الرزق ؛ قال تعالى (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا
عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ
مُّبِينٍ ) هود6) وإذا مرض؛ فلا ينقطع أمله في الأجر والعافية قال تعالى: (الَّذِي
خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ
فَهُوَ يَشْفِينِ )الشعراء78-80) وعَنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قَالَتْ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ " مَا مِنْ شَيْءٍ
يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا
حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ " رواه مسلم) . وإذا دعا الله
لم ينقطع أمله في الإجابة؛ قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )البقرة186) فكان المؤمن على خير في كل الأحوال، إذ يقول
النبي (صلى الله عليه وسلم) " عَجَباً لأمْرِ
الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ
للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ
ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ"
رواه مسلم ).
غير أن الأمل بلا عمل أمل أجوف أو أعرج،
وأمانٍ كاذبة خاطئة فان الآمال الصادقة هي المقرونة بالعمل وعلو الهمة والأخذ
بأسباب العلم والعمل والتقدم والرقى، وهذا مما حثنا عليه القرآن الكريم إذ يقول
الله (سبحانه وتعالى) (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم
بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة105) ووجهنا إليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، وحثنا
عليه في كل وقت وفي كل أمر حتى في اقل الأمور، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ (رضي الله
عنه) قال: قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا
وَأَتَوَكَّلُ (يعنى ناقته) وكأن
هذا الرجل كان يظن أن الأخذ بالأسباب ينافي التوكل على الله تعالى، فوجهه النبي (صلى
الله عليه وسلم) إلى أن الأخذ بالأسباب أمر مطلوب، وهو من التوكل على الله (عز
وجل)، فقال له" اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ " .
وليسَ أخُـــــو الحاجاتِ مَنْ باتَ نَائِما
*** ولكــــــنْ أخُــــوها مَنْ يبِيتُ على وَجَل
الجَدُّ
في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَــــلِ *** فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأمـــــلِ
وإذا تدبرننا حال الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام لوجدنا أن الأخذ بالأسباب، من نهجهم وسنتهم، في كل الأوقات وبخاصة وقت
الجوائح والأزمات، فانظر فعل سيدنا يوسف عليه السلام في السبع الرخاء للسبع الشداد،
وكيف أخذ بالأسباب للنجاة من مجاعة مهلكة وخطر محدق (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ
دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ
* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ
يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ يوسف46-49) كم ان الناظر في السيرة النبوية المطهرة يجد أن النبي (صلى الله عليه وسلم)
وهو أكرم خلق الله على الله، وهو أقوى الخلق إيمانًاً وأعظمهم توكلًا
على الله (سبحانه وتعالى)، قد أخذ بالأسباب، وحث على الأخذ بها، كما أخذ بها
الصحابة (رضي الله عنهم) ولقد ضرب لنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أروع الأمثلة
في الأخذ بالأسباب الوقائية؛ فلما خرج ذاهبا إلى بلاد الشام، ومعه بعض
الصحابة، علم في الطريق أن مرض الطاعون قد انتشر في الشام، ومات به الكثير، فقرر
الرجوع، ومنع من معه من دخول الشام. فقال له الصحابي الجليل أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الْجَرَّاحِ (رضي الله عنه): أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ
عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ
اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ
وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ
إِنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ
الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ فجاء عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -
وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا
عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ:
"إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ
بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ".
كما يجدر بالعبد أن يطرق دائما أبواب
الدعاء والتضرع الي الله (سبحانه وتعالى)، فقد قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي
قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء
لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) الأعراف94) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم)
"وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ" رواه الطبراني) ؛ ولقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ عافِني في بَدَني، اللهم
عافِنِي في سَمْعِي، اللَّهُمَّ عافني في بَصَري" ومنه أيضا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ
البَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ" رواه أبو
داود) وعن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وسلم)" مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ
يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ
شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ "رواه الترمذي) ويقول أيضا "مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ
بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ
تِلْكَ اللَّيْلَةِ". وعن عبد الله بن خبيب (رضي الله عنه) قال :"خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ
رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِيُصَلِّيَ لَنَا،
فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : أَصَلَّيْتُمْ ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ
:" قُلْ". فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: "قُلْ ".
فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ :" قُلْ ". فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )
وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) رواه أبو داود والترمذي).
(اللهم عافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف عنا شر ما
قضيت، واصرف عنا وبلادنا البلاء، واحفظ مصر من كل مكروه وسوء)
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس