recent
آخر المشاركات

خطبة الجمعة القادمة: إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا- للشيخ محمد حسن داود (24 صفر 1443- 1أكتوبر 2021م)

 

خطبة بعنوان:
إعمال العقـــــل فــي فهـــــم النص
 الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا
للشيخ / محمد حســـن داود
24 صفر 1443هـ - 1 أكتوبر 2021م



العناصــــــر:      مقدمة :
-
 نعمة العقل، مكانتها ودعوة الإسلام إلى التأمل والتفكر في مخلوقات الله.
- دعوة الإسلام العلماء وأهل الاجتهاد إلى إعمال العقل في فهم النصوص.
- الإمام أبو حنيفة (رضي الله عنه) رائد
مدرسة إعمال العقل في فهم النصوص.
-
مواقف من حياة الإمام أبي حنيفة في بيان أهمية إعمال العقل والفهم.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ)(الأعراف185)، ويقول سبحانه (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)(ص 29) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: " لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)(آل عمران190)" (صحيح ابن حبان)اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فقد قال الله (سبحانه وتعالى) في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء70)، ولا شك أن من أعظم ما فضل الله به الإنسان على سائر المخلوقات: "العقل"، فبه يستطيع الانسان أن يميز بين ما ينفع وما يضر، وما يصلح وما يفسد، ويدرك به التكاليف الشرعية، ويتدبر ما شاء الله من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ويجتهد به في أموره الدنيوية؛ فهو وسيلة لا غنى لأي بشر عنها في تدبير وفهم أمور دينه ودنياه.

ومن ينظر القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة يجد الاشارات إلى أهمية العقل واضحة جلية؛ فقد تكررت كلمة العقل ومشتقاتها في القرآن الكريم حوالي سبعين مرة، في غير موضع من الآيات التي تتحدث عن وظائف العقل؛ من تفكر وتأمل ونظر في آيات الله وفي الأنفس والآفاق، فلقد دعا الإسلام العقل إلى التفكر والتأمل في مجالات الكون الفسيح، وما أودع الله فيه من عجائب المصنوعات، الدالة على وحدانيته وعظمته وجلاله وقدرته، قال جل شأنه (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) (يونس101) وقال جلا وعلا (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ) (الأعراف185)، وقال عز وجل( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) (البقرة 269) وقال سبحانه (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَ ٰتُۢ بِأَمۡرِهِ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰت لِّقَوۡم یَعۡقِلُون) (النحل12) وقال عز وجل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران190)، لقد سئلت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: "يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي" قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟، قَالَ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)(آل عمران190)" (صحيح ابن حبان)، وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: " تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ " (شعب الإيمان للبيهقي) حيث ان التفكر في خلق الله (عز وجل) يورث الحكمة، ويحيي القلوب، ويغرس فيها الخوف والخشية من الله، ويزيد الإيمان ويحث على الطاعة، ويهذب الأخلاق، ويدفع إلى العبادة، ويبعد عن المعاصي، وما أعظم هذه الفضائل فهي باب الى الجنة وطريق إلى السعادة والفوز والنجاة.

لله فـي الآفـاق آيـات لـعـــــــــل *** أقلهـا هـو مـا إليـه هـــــــــــداك
ولعــل ما في النفس مـن آياتـه *** عجب عجاب لـو تـرى عينــــاك

كما دعا الاسلام العلماء أهل الاجتهاد إلى استعمال العقول بالاجتهاد واستنباط الاحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية بما ييسر للناس أمور حياتهم وتنصلح به أحوالهم، قال تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)(ص 29)،وقال سبحانه(إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلكم تعقلون) (الزخرف3)

وقد عاب القرآن على من يعطلون عقولهم عن وظائفها، فلم يكن لها نصيبا من  التفكر والتدبر، قال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد24)، وقال سبحانه (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)(يوسف:105)، وقال عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج 46)

وما دمنا نتحدث عن إعمال العقل بالتدبر والتفكر والتأمل والاجتهاد والاستنباط، فحري بنا أن نذكر رائد مدرسة إعمال العقل في فهم النصوص: الإمام التابعي الجليل أبو حنيفة النعمان (رضي الله عنه) فهو أحد مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، جبل من جبال العلم، فلم يقف في فهم النصوص عند ظاهرها بل كان نظره إلى مقاصدها، قال فيه الإمام الشافعي (رضي الله عنه)"الناس في الفقه عيالٌ على أبي حنيفة". وفيه قال الإمام أحمد (رضي الله عنه) " أبو حنيفة من العلم والزهد والورع وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد " ومن ذلك أيضا قال علي بن عاصم: لو وُزن عقلُ أبي حنيفة بعقل نصف أهل الأرض، لرجَح بهم؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي).

ومن الأمثلة على ذلك: إخراج زكاة الفطر بالقيمة؛ فهو مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان ؛ حيث نظر إلى مقصد السنة النبوية فقال بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر مراعاة لمصلحة الفقير، وتحقيقا للغاية التي من اجلها فرضت زكاة الفطر، وهى اغناء الفقير والمسكين وذوي الحاجة؛  فالإغناء يحصل بدفع القيمة كما يحصل بدفع الطعام، كما أن إخراج القيمة فيه قضاء الفقير لمتطلبات حياته، وفيه حماية الفقراء من استغلال بعض التجار حاجة الفقير إلى المال؛ إذ يضطر الفقير لبيع زكاة الفطر من الطعام ولو بأرخص الإثمان، نظرا لحاجته إلى المال، وفى هذا تفويت منفعة على الفقير.

لقد كان رضي الله عنه من رجالات الكمال في العلم والعمل، موصوفاً بالفضائل، عالماً عاملاً، جمع بين العلم والعبادة، شديد الورع ،فقد قال عن ورعه ابن المبارك: "قدمتُ الكوفة فسألت عن أورع أهلها؛ فقالوا: أبو حنيفة" ورد أن جاءته امرأة تبيع له ثوبا من الحرير وطلبت ثمنا له مائة، وعندما فحص الثوب قال لها "هو خير من ذلك" فزادت مائة ، ثم زادت حتى طلبت أربعمائة فقال لها "هو خير من ذلك" فقالت : أتهزأ بي ؟ فقال لها "هاتي رجلا يقومه" فجاءت برجل فقومه بخمسائة وهذا الامر من الامانة .

وعلى الرغم من انشغاله بتجارته وبعلمه، إلا أنه كان من أعبد الناس في زمانه، يطيل صلاته مع الخشوع والسكينة، وكان ممن قرأ القرآن كله في ركعة واحدة، وكان يحيى الليل كله تضرعا وصلاة ودعاء.

لقد أسهم رضي الله عنه بإيجاد مدرسة عقلية فكرية تحترم دور العقل في التفكر والتدبر واعمال النص مستندا في ذلك علي ما جاء أن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: "كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟"، قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟"، قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟" قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، وَلَا آلُو فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَدْرَهُ، وَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ، رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ"(رواه أبو داود) فلقد كان رحمه الله ذكيا فطنا ؛ يقول الزبير بن كعيب: قال لي شريكٌ: كنا في جنازة غلام من بني هاشم وقد تبعها وجوه الناس وأشرافهم، فأنا إلى جنب ابن شبرمة أماشيه، إذ قامت الجنازة، فقيل: ما للجنازة لا يمشى بها؟ قيل: خرجت أمه والهةً عليه، سافرةً وجهها في قميص، فحلف أبوه بالطلاق لترجعن، وحلفت هي بصدقة ما تملِك لا رجعت حتى يصلى عليه، وكان يومئذ مع الجنازة ابن شبرمة ونظراؤه، فاجتمعوا لذلك، وسئلوا عن المسألة، فلم يكن عندهم جوابٌ حاضرٌ، قال: فذهبوا فدعوا بأبي حنيفة وهو في عرض الناس، فجاء مغطيًا رأسه والمرأة والزوج وقوفٌ والناس، فقال للمرأة: علامَ حلفتِ؟ قالت: على كذا وكذا، وقال للزوج: بمَ حلفت؟ قال: بكذا، قال: ضعوا السرير، فوُضِع، وقال للرجل: تقدَّم فصلِّ على ابنك، فلما صلى، قال: ارجعي؛ فقد خرجتما عن يمينكما، احملوا ميتكم، فاستحسنها الناس، فقال ابن شبرمة - على ما حكى عنه شريكٌ -: عجزتِ النساء أن تلدَ مِثل النعمان؛ (الانتقاء لابن عبد البر).

كذلك في دعوته وبيان الحق للناس،؛ ومما جاء في هذا الشأن: ما ذًكر أنه اجتمع طائفة من الملاحدة بأبي حنيفة ( رحمه الله) فقالوا: ما الدلالة على وجود الصانع؟ فقال: دعوني، فخاطري مشغول بأمر غريب. قالوا: وما هو؟ قال: بلغني أن في دجلة سفينة عظيمة مملوءة من أصناف الأمتعة العجيبة، وهي ذاهبة وراجعة من غير أحد يحركها ولا يقوم عليها، فقالوا له: أمجنون أنت؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: إن هذا لا يصدقه عاقل. فقال له: كيف صدقت عقولكم أن هذا العالم بما فيه من الأنواع والأصناف والحوادث العجيبة، وهذا الفلك الدوَّار السيَّار يجري، وتحدث هذه الحوادث من غير محدث، وتتحرك هذه المتحركات بغير محرك؟ فرجعوا على أنفسهم بالملام.(الرياض الناضرة؛ للسعدي)

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية


لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا  
google-playkhamsatmostaqltradent