خطبة بعنوان:
فضل الشهادة ومنزلة الشهيد
وفلسفة الحرب في الإسلام
للشيخ /
محمد حســـــــن داود
2 محرم 1443هـ - 8 أكتوبر 2021م
العناصــــــر: مقدمة :
- مكانة الشهادة وفضلها. - من صور الشهداء .
- مكانة ومنزلة الشهداء. - فلسفة الحرب في
الإسلام.
الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في
كتابه العزيز (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم
مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران 169-171) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "مَا
مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ
لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى
أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ " (رواه
مسلم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
فإن من أعظم أبواب
التكريم والتفضيل: " الشهادة في سبيل الله " فهي اصطفاء وتشريف وتكريم، قال
تعالى (وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (الحديد
19) وقال سبحانه (وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء)
(آل عمران 140) فشرف الشهادة لا يحصره قلم، ولا يصفه لسان، ولا يحيط به بيان، شرفا
قال فيه النبي (صلى الله عليه وسلم): "لوَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ" (رواه
البخاري) وإن للشهيد عند الله مكانة عالية ودرجات رفيعة، علمها الصحابة فكانت
غايتهم، ففي غزوة بدر: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " قُومُوا إِلَى
جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ" فيَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ
الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ
وَالْأَرْضُ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)" مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ
؟قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ
أَهْلِهَا، قَالَ: "فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا"، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ
مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ
حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بِمَا
كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. (رواه مسلم) نعم،
للشهيد مكانة ومنزلة عظيمة، علمها الشهداء فتمنوا الرجوع إلى الدنيا فيقتلوا
مرارا، لما أيقنوه من الكرامة والرفعة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
" مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى
الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ
فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ
الْكَرَامَةِ "( رواه مسلم).
ومع أن للشهادة
صورا عديدة كما بين النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ:
الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" (متفق عليه)، وقال أيضا: "الشَّهَادَةُ سَبْعٌ
سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ،
وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ
شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ
شَهِيدٌ " ( رواه أبو داود) ". ويقول أيضا:" مَنْ سَأَلَ اللَّهَ، تعالَى
الشِّهَادَة بِصِدْقٍ بَلَّغهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهدَاء، وإِنْ مَاتَ عَلَى فِراشِهِ"
(رواه مسلم).قال
الحافظ ابن حجر: "وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة.. وذكر منهم: اللديغ، والشريق، والذي يفترسه السبع،
والخار عن دابته، والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، ومن تردى من رؤوس الجبال.(فتح
الباري لابن حجر) وقال العلامة ابن عابدين: إنهم نحو الثلاثين، وزادهم بعض الفقهاء
إلى نحو الأربعين، قال النووي: "قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل
الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها"(شرح صحيح مسلم للنووي). ومع ذلك فإن من
أعظمها وأجلها: الشهادة دفاعا عن الوطن وحماية له ولأرضه ابتغاء مرضاة الله (عز
وجل) وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) " مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ،
ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ
قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ "رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه)
فمن مكانة الشهداء ومنزلتهم وفضائلهم:
-
بشرهم ربهم بخصال؛ فقال تعالى (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ *
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) (محمد 4-6) وبشرهم النبي (صلى الله
عليه وسلم) بخصال فقال " للشهيد عند الله ست خصال : يُغْفَرُ لَهُ فِي
أَوَّلِ دَفْعَةٍ من دمه، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى
بحِلْيَة الإِيمَانِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ الْفَزَعِ
الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا
خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ
زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ من أهل بيته ) (رواه
الطبراني)
- دماء الشهداء وان كان لونها لون الدم
إلا أن ريحها ريح المسك، فقد قال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
" لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ
يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ
اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ " (رواه مسلم ).
- يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم،
فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
، قَالَ : " ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يَضْحَكُ
إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ ، الَّذِي إِذَا انْكَشَفَتْ فِئَةٌ، قَاتَلَ
وَرَاءَهَا بِنَفْسِهِ لِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) ، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ،
وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ، فَيَقُولُ:
انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ ، وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ
حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ
شَهْوَتَهُ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ ، وَالَّذِي
يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا،
فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ " (رواه الحاكم، والبيهقي
)
- لا يجدون ألم القتل، فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال :"مَا يَجِدُ
الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ
الْقَرْصَةِ " (رواه الترمذي)
- تظلهم الملائكة، فعن جابر (رضي الله
عنه) قال " جِيءَ بِأَبِي إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، وَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْ
وَجْهِهِ، فَنَهَانِي قَوْمِي، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ ، فَقِيلَ : ابْنَةُ
عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو ، فَقَالَ : لِمَ تَبْكِي، أَوْ لا تَبْكِي ، مَا
زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ " (البخاري
ومسلم)
- لا يفتنون في قبورهم، عَنْ رَاشِدِ
بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) أَنَّ رَجُلًا قَالَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ
الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ قَالَ" كَفَى
بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً" (رواه النسائي)
- لا يصعقون في نفخة الصور، فعن أبي
هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه سأل جبريل عليه السلام
عن هذه الآية )وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) (الزمر: 68 ) من
الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال : هم شهداء الله " (مستدرك الحاكم)
- تجرى عليهم أعمالهم، فعَنْ سَلْمَانَ
قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ
" رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ
مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ
رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ" (رواه مسلم )
- اعد الله لهم أعلى المقامات وارفعها:
قال تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (التوبة
111) وعن رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) انه قال : "
إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ " رواه مسلم )
- أول من يدخلون الجنة: عنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ :
" عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : شَهِيدٌ ،
وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَنَصَحَ
لِمَوَالِيهِ " (رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن )
- أحياء عند ربهم يرزقون: قال تعالى ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ ) (البقرة154)،
وقال سبحانه (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا
بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران 169-171) وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أن النبي (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال:" الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ
بِبَابِ الْجَنَّةِ، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ
الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا " (رواه احمد) وعَنْ مَسْرُوق قَالَ: إِنَّا
سَأَلْنَا عَبْد اللَّه عَنْ هَذِهِ الْآيَة. " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ
" فَقَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُول اللَّه (صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: "أَرْوَاحهمْ فِي جَوْف طَيْر خُضْرٍ
لَهَا قَنَادِيل مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ تَسْرَح مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ،
ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ
إِطْلَاعَة فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: أَيّ شَيْء نَشْتَهِي
وَنَحْنُ نَسْرَح مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاث
مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا قَالُوا:
يَا رَبّ نُرِيد أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نُقْتَل فِي
سَبِيلك مَرَّة أُخْرَى فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَة تُرِكُوا" (رواه
مسلم)
- للشهيد دار ما أحسن منها: روى البخاري، من حديث سمرة قال : قال النبي (صلى
الله عليه وسلم) : رأَيْتُ اللَّيْلَةَ
رجُلين أتَياني، فَصعِدا بِي الشَّجرةَ، فَأدْخَلاني دَارًا هِي أحْسنُ وَأَفضَل،
لَمْ أَر قَطُّ أَحْسنَ مِنْهَا، قالا: أَمَّا هذِهِ الدَّار فَدارُ
الشهداءِ"
- هم في الفردوس الأعلى: عن أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ
بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ،
فَقَالَتْ: " يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ
وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي
الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي
الْبُكَاءِ، قَالَ : يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ،
وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى " (رواه البخاري)
إن السلم والسلام في الإسلام هو الأصل وما
شرعت الحروب إلا لرد العدوان، فقد قال تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (البقرة
190) وقال سبحانه (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )(الأنفال61) والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: " لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ،
وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ
الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ" (متفق عليه)،وكذلك الناظر في كل غزوات
النبي (صلى الله عليه وسلم) يجد أنها كلها ردا للعدوان، كما يجد أنه حتى في الحروب
التي هي ردا للعدوان قد نهى كل النهي عن الخراب والتدمير والهدم، كما كان أصحاب
النبي (صلى الله عليه وسلم) يوصون قادة جيوشهم بهذا.
إننا ونحن نعيش ذكرى هذه الانتصارات
العظيمة (انتصارات السادس من أكتوبر)؛ ابدآ لا ننسى من قدموا أرواحهم دفاعا عن
الوطن الحبيب الغالي، وتحقيقا لعزة البلاد وكرامة العباد؛ وفاء وتقديرا لهم
واعترافا بفضلهم؛ فلا شك أن من اقل حقوقهم علينا جميعا تخليد أسماءهم وذكراهم ،ليس
في سجلات التاريخ فحسب، بل في كل قلب وعلى كل لسان، ليس من قبيل سرد البطولات التي
قاموا بها فحسب، بل من أجل أن يكونوا أيضا نموذجا للاقتداء بهم، وحافزا للأجيال
بعدهم على التضحية من أجل الوطن ورفعته وتقدمه، وقد قال رسُولَ اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):" عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ
بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ" (رواه الترمذي)
اللهم احفظ مصر وجيشها من كل مكروه وسوء، وأدم علينا نعمة الأمن والأمان
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا