خطبة بعنـــوان:
مفهوم العبـــــــــــادة
للشيخ/
محمد حســـن داود
29 ربيع الأول1443هـ - 5 نوفمبر2021م
العناصــــــر: مقدمة
:
- العبادة هي الغاية الكبرى التي من أجلها خلق الله (عز
وجل) الخلق.
- العبادة، دعوة القران والسنة إليها والمداومة عليها، وبيان مقام العبودية.
- العبادة بمفهومها الشامل ، صور ونماذج.
- أثر العبادة وفضلها على العبد في الدنيا والأخرة.
الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
﴾ (الذاريات: 56) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا
عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: " اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ، وَأَطْعِمُوا
الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلَامٍ " (رواه الترمذي)،
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
لقد خلق الله الخلق لعبادته وطاعته، قال
تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ ﴾ (الذاريات 56)، وقال سبحانه
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُـدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 21) وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "يَا
مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟" قَالَ: اللهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ
شَيْءٌ"، قَالَ: "أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلُوا
ذَلِكَ؟" فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَنْ لَا
يُعَذِّبَهُمْ" (رواه مسلم)، فالعبادة هي
الغاية العظمى التي خلق الله (عز وجل) الخلق من أجلها وأرسل الرسل (عليهم الصلاة
والسلام) قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن
قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا
فَاعْبُدُونِ) (الانبياء 25)، وقال سبحانه (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ
رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (النحل36) فلقد أمر
الله (سبحانه وتعالى) بعبادته وطاعته وحث على المداومة على ذلك، قال تعالى
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ (الحجر 99) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِبَعْضِ جَسَدِي،
فَقَالَ: "اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ
غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ" (رواه أحمد والنسائي في الكبرى)
وهنا يجب أن ننوه
إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أن مقام العبودية لله (عز وجل) مقام رفيع عال عظيم،
يحظى بسبه الانسان كل معاني التكريم؛ فمن يتدبر القران يجد أن الله تعالى وصف به
نبيه (صلى الله عليه وسلم ) في أسمى وأرفع الحالات، فوصفه به في مقام الوحي، قال
تعالى (فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ) (النجم 10)، وفي مقام تنزيل
القرآن عليه، قال تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ
الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ) (الكهف1) وفي مقام الإسراء؛ قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ) (الإسراء 1)، وفي مقام التضرع والدعاء، قال تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ
اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (الجن 19).
وهنا سؤال قد يتبادر
الى الذهن: ما هو مفهوم العبادة؟
قد يظن البعض
أن مفهوم العبادة مقصور على اقامة شعائر الاسلام وأداء اركانه.
لكن الحقيقة
ان دائرة العِبادَةُ بِمفهومِها العام المعروف تتسع لتشمل كل عمل خير وقول معروف؛ فقد
قال تعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام 162، 163).
فالعبادة تشمل
إقامة شعائر الاسلام وأداء اركانه من صلاة وزكاة وصيام وحج؛ قال تعالى
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ﴾ (النور 56)، وقال سبحانه ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ (البقرة 110) وفي الصيام (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 183) وفي الحج
(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (آل عمران97)، وعَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ
وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ،
وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ
وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ،
وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ" (رواه الترمذي).
وإن من ثمار
هذه العبادات أنها تهذب الأخلاق والسلوك؛ فالصلاة بسجودها وركوعها وأذكارها تطهِّر
النفس من الكبر، وتذكِّر النفس بالاستقامة على أمر الله (سبحانه وتعالى)، كما
تذكرها بوقوفها للحساب يوم القيامة، فتدعو مقيمها الى البعد عن المعاصي والذنوب،
قال تعالى ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت
45) وكذلك في الزكاة تطهير للنفس البشرية من رذيلة البخل، قال تعالى (خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة 103) وفي
الصيام تعتاد النفس على ضبط شهوتَي البطن والفرج، يقول النبي (صلى الله عليه
وسلم): " ليس الصيامُ من الأكلِ و الشربِ، إنما الصيامُ من اللَّغوِ و
الرفَثِ". وانظر كيف ان الحج يبث القيم الأخلاقية الأصيلة في النفوس البشرية،
وكيف يكون له التأثير في تربية النفس الإنسانية، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا
جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) (البقرة 197)، ومن ثم يكون الفوز والفلاح، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "إِنَّ
الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ
الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ"(
شعب الإيمان للبيهقي)، ويقول أيضا:" إِنَّ مِنْ
أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ
أَخْلَاقًا" (رواه الترمذي)
ومن العبادة
أيضا: تقديم الخير على اختلاف الوانه؛ فكل
عمل يخفف به الإنسان كربة مكروب، ويرسم به البسمة على الوجوه والفرحة في القلوب،
هو عبادة وطاعة، وكل عمل أو قول يهدي به الإنسان حائرا، أو يعلم جاهلا، هو عبادة
وطاعة، وكل عمل يسوق به الانسان نفعا، أو يدفع به ضرا، أو يمنع به شرا، هو عبادة
وطاعة، لذلك حث الإسلام على أن يساهم كل إنسان لتحقيق ذلك قدر الوسع والاستطاعة؛
فقد قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
(المائدة2) ويقول النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَنْ كَانَ مَعَهُ
فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ
مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ" (رواه مسلم) ويقول: " مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ
يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" (رواه مسلم) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم): "كُلُّ سُلامَى مِنَ
النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ
بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُ لَهُ
عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ
الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ،
وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ" (رواه البخاري ومسلم) وما زال
الإسلام يوكد على ذلك حتى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لاَ
تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ
طَلْقٍ" (رواه مسلم)
ومن العبادة:
العمل والبناء والتعمير؛ فلقد دعا الإسلام إلى التوزان بين ما ينفع الناس في
معاشهم ومعادهم، وفي ذلك يقول الله (عز وجل) (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ
ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة 9، 10) فكان سيدنا عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ (رضي الله
عنه) إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ
فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ،
وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ". وعنْ كَعْبِ
بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ
جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ
هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): "إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ
فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها
فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي
سَبِيلِ الشَّيْطَانِ" (رواه الطبراني في الكبير والأوسط)
إذن فالإسلام دين
يدعو الناس ويحثهم على عمارة دنياهم وأخراهم على السواء، ففي الاهتمام بالعاجلة
وإغفال الآجلة أو العكس بُعد عن التوازن وشرود، ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) يسأل ربه أن يعمر دنياه وأخراه، فما أكثر ما كان يدعو بهذا الدعاء القرآني
الكريم (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ) (البقرة201)، وكان من دعائه أيضا: "وَأَصْلِحْ لِي
دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا
مَعَادِي" (رواه مسلم) وحين صرف قارون همه إلى الدنيا وانصرف عن الآخرة، نصحه
بعض الذين أوتوا العلم من قومه وذكروه بأن انصرافه عن الاهتمام بالآخرة واهتمامه
بالدنيا فقط، فيه جنوح عن الحق وشطط، فالمؤمن حقا هو من يعمل لأخراه ولا ينسى
دنياه، فقالوا له كما حكي القرآن الكريم (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ
الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ
لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص77)
إنَّ للعبادة
أثر عظيم وفضل كبير، ففيها راحةً للقلب وسكينةً للنفس وسَعة وبركةً في الرزق، والفوز
في الدنيا والاخرة؛ ؛ وفي ذلك قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ) (الحج 77) ويقول سبحانه (من عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل 97)، وفي الحديث القدسي:
" وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ
إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ
بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي
يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ
بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ،
وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا
فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ
مَسَاءَتَهُ " (رواه البخاري) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "اعْبُدُوا
الرَّحْمَنَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ
بِسَلَامٍ" (رواه الترمذي)، ويقول ابْنُ عَبّاسٍ (رضي الله عنهما): "إنَّ
لِلْحَسَنَةِ نُورًا في القَلْبِ، وضِياءً في الوَجْهِ، وقُوَّةً في البَدَنِ،
وزِيادَةً في الرِّزْقِ، ومَحَبَّةً في قُلُوبِ الخَلْقِ، وإنَّ لِلسَّيِّئَةِ
سَوادًا في الوَجْهِ، وظُلْمَةً في القَلْبِ ووَهَنًا في البَدَنِ، ونَقْصًا في
الرِّزْقِ، وبُغْضَةً في قُلُوبِ الخَلْقِ ".
اللهم أعنا
على ذكر وشكرك وحسن عبادتك
وأحفظ مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا