خطبة
بعنـــوان:
القيــــــم المجتمعيــــة
للشيخ / محمد حســــــن داود
11 جمادى الآخرة 1443هـ - 14 يناير 2022م
العناصـــــر : مقدمة.
- دعوة الإسلام إلى القيم وحسن السلوك ومكارم
الأخلاق.
- من صور القيم المجتمعية.
- أثر تحقيق معاني القيم، ودعوة إلى تحقيقها.
الموضـــــوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ﴾ (الحج 77) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "إنَّما
بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" (رواه أحمد)
ويقول أيضا: : "إنَّ مِن خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلَاقًا" (رواه
البخاري) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، وبعد
لقد جاء الاسلام
لتزكية النفوس وتقويم الأخلاق وإصلاح الباطن والظاهر، جاء لتحقيق أنبل الطباع
وأحسن الأخلاق وأصلح الخصال، وأسمى القيم وأرفعها وأعلاها وأرقاها، وها هو النبي
(صلى الله عليه وسلم)، يعلن هذا قائلا "إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ
الأخلاقِ" (رواه أحمد)، ومن هذه القيم:
-
التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع، فيشعر كل فرد فيه بأخيه ويحمل له من الخير في
قلبه ما يحمله لنفسه، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) قَالَ: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا
يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (رواه البخاري) فهذا مما دعانا اليه الاسلام في تواد
وتراحم كالجسد الواحد يعضد بعضه بعضاً، فقد قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة2) وقالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى
الله عليه وسلم): "أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِناً عَلَى جُوعٍ
أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا
مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِناً عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ
الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِناً عَلَى عُرْىٍ
كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ"، ويقول النبي (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ
لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى
مَنْ لَا زَادَ لَهُ" (رواه مسلم) وها هو صلى الله عليه وسلم يمدح الاشعريين
بهذا التكافل والتراحم والمودة والتعاون، إذ يقول: "إِنَّ الأَشْعَرِيين
إِذَا أَرْمَلُوا في الْغَزْوِ أَو قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِم بالمَدِينَةِ؛
جَمَعُوا مَا كَانَ عِندَهُم في ثَوبٍ وَاحدٍ، ثُمَّ اقتَسَمُوهُ بَيْنَهُم في
إِنَاءٍ وَاحِدٍ بالسَّويَّةِ، فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنهُم"(متفقٌ عَلَيْهِ)
- العناية بالضعفاء وأصحاب
الهمم ومعرفة قدر كبار السن والتأدب معهم؛ فقد قال النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):"هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا
بِضُعَفَائِكُمْ"(رواه البخاري) ويقول أيضا: "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ
اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ" (رواه أبو داود) فهو خلق
الأنبياء، فهذا سيدنا موسى (عليه السلام)، يقول جل وعلا حكاية عنه (وَلَمَّا
وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ
مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا
نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) فكيف كانت
الإنسانية والمروءة أمام حاجة بدت من ضعيفين: المرأة والشيخ الكبير؟ قال تعالى
(فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا
أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص23) وهذا نبينا (صلى الله عليه
وسلم)، فعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ
انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا
مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا"(رواه
مسلم)ومن هؤلاء الضعفاء أيضا الأرامل واليتامى، فلقد دعانا الإسلام إلى رعايتهم،
فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ
وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وأحسِبُه قال:- كَالقَائِمِ
لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ"(متّفقٌ عليه) وعنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) قال: "أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ
كَهَاتَيْنِ"، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ يَعْنِي: السَّبَّابَةَ وَالوُسْطَى.
-
حسن الكلام وطلاقة الوجه: قال تعالى (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة 83)
وقال (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء53) فمن أراد لنفسه فوزا وفلاحا، ولعمله قبولا وصلاحا، ولذنبه غفرانا، فعليه
بحفظ اللسان عن سيء الكلام، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ
يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ
الْجَنَّةَ"(رواه البخاري) إذ إن حسن الكلام سبيل لصلاح الأعمال، ومغفرة
الذنوب، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب70- 71)
ووقاية لصاحبه من النار، فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النَّارَ
وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ "(رواه
البخاري)، وفي طلاقة الوجه يقول:" لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى
أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" (مسلم)
- الإيثار: فهو فضيلة أخلاقية نبيلة، وصفة حميدة جليلة، لا يتحلى
بها إلا أصحاب القلوب الكبيرة، والهمم العالية، وفى سيرة المصطفى صلى الله عليه
وسلم ما يكون دليلا دامغا على أنه أكثر الناس وأعلاهم إيثارا فعَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ، قَالَ: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِبُرْدَةٍ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا
الْبُرْدَةُ، فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ، فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ
مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْسُوكَ
هَذِهِ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُحْتَاجًا
إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا
قَامَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَامَهُ أَصْحَابُهُ،
قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ
عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ
بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَعَلِّي
أُكَفَّنُ فِيهَا ". إن للإيثَار أثأر عظيمة وثمار جليلة يجنيها أصحاب هذا
الخُلُق العظيم كما يجنيها المجتمع بأسره، فالإيثَار طريق إلى محبَّة الله تبارك
وتعالى ورضاه، فقد قال جل وعلا (إن الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ
مِزَاجُهَا كَافُورًا *عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا
تَفْجِيرًا *يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ
مُسْتَطِيرًا *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا
وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء
وَلا شُكُورًا *إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا
*فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا
*وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا )(الإنسان 5-12)
- جبر الخواطر: فهو خلق إسلامي عظيم، وقيمة عالية نبيلة، وأدب شرعي
قويم، يدل على سمو نفس، وعظمة قلب، وسلامة صدر، ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه
نفوسًا كسرت، وقلوباً فطرت، وأجساماً أرهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها،
إذ كان من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم)" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي،
وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي" (رواه الترمذي)، يقول
سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه
المسلم". فمن جبر خواطر الناس جبر الله خاطره، ومن يسر على معسر يسر الله
عليه، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه من كرب الاخرة، يقول النبي (صلى الله
عليه وسلم) "مَن نَفَّسَ عن مسلم كُرْبةً مِن كُرَبِ الدُّنيا، نَفسَ الله
عنه كُرْبةً من كرب يوم القيامة، ومَن يَسَّرَ على مُعْسِرٍ، يَسَّرَ الله عليه في
الدُّنيا والآخِرَة، ومَن سَتَر على مسلمٍ، سَتَرَ الله عليه في الدُّنيا والآخرة،
واللهُ في عَونِ العبد ما كان العبدُ في عَونِ أخيه" (رواه أبو داود
والترمذي) وعن أم سلمة (رضي الله عنها) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "
صَنائِعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، والصَّدقةُ خُفيًا تُطفِئُ غضَبَ
الرَّبِّ، وصِلةُ الرَّحِمِ زيادةٌ في العُمُرِ، وكلُّ مَعروفٍ صَدَقةٌ، وأهلُ
المعروفِ في الدُّنيا هُمْ أهلُ المعروفِ في الآخِرَةِ،" (رواه الطبراني في
الأوسط) وقديماً قالوا: "من سَارَ بينَ النَّاسِ جابرًا للخَواطرِ أدركَه
اللهُ في جَوفِ المَخاطرِ".
- الوفاء وحفظ الجميل: فالوفاء خصلة كريمة من خصال الإسلام، وشعبة
عظيمةٌ من شُعبِ الإيمان، وشيمة كريمة من شِيم الرجال، وإن كان في الجاهلية قد
جعلوا له بعض شأن، فما ظنكم بالإسلام؟ فلقد ضرب لنا النبي (صلى الله عليه وسلم)
أروع الأمثلة في الوفاء، فهو القائل: "وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً
فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى
تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ " (رواه احمد). فما أعظم وفاؤه صلى الله
عليه وسلم، إذ يقول في أبى بكر (رضي الله
عنه) "إِنَّ آمَنَ النَّاسِ عَلِيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ،
وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ
خَلِيلًا؛ وَلَكِنْ خَلَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ" وفي الأنصار يقول:
"فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ
امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ
الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللهُمَّ ارْحَمِ
الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ
الْأَنْصَارِ"(رواه أحمد) وما أعظم وفاؤه حتى لمن خالفه؛ فلم يجحد دخوله مكة
في جوار الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، بعد عودته من رحلة الطائف، حتى بعد وفاته
،فيقول في أسرى بدر" لو كان المطعم بن عدى حيا، ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم
له". فما أعظم أن نمتثل هذه القيمة النبيلة ، فقد قال النبي (صلى الله عليه
وسلم) "أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللهِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ
" (رواه أحمد)
-
وجوب التثبت والتبين مما يصل الي مسامعك: فقد قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (الحجرات6) فالتثبت
والتبين خلق عظيم، وسلوك كريم يحبه الله (جل وعلا) فعن ابن عبَّاس، أن النبي (صلى
الله عليه وسلم) قال للأشجِّ -أشجِّ عبد القيس-" إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ
يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ "(رواه مسلم) ولقد جاء أن رجلا
دخل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فذكر له عن رجل شيئاً، فقال له عمر: إن
شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات 6)، وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية
(هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم 11)، وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفو يا
أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً". ومن يتدبر الماضي والحاضر يرى العواقب
الوخيمة والاضرار الجسيمة اثر العجلة وعدم التبين والتثبت، ولعل هذا واضح جلي في
قوله تعالى (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات6) وإذا كان
التبين والتثبت واجب عند سماع أمر فلاشك أنه أوجب عند الحديث به فقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا
سَمِعَ" (مسلم).
هذه كانت جملة من القيم التي يجب علينا أن نحقق معانيها، فقد قال النبي
(صلى الله عليه وسلم) "وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ" وكفي في فضل
ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ
أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ
دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " (رواه الترمذي)
فإن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه
وسلوكه، فقد قال صلى الله عليه وسلم" إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا" وإذا سألت من اقرب
الناس مجلسا منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لوجدت أن أحسن الناس أخلاقا هم
اقربهم مجلسا، وأحبهم إليه، إذ يقول "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ
وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ
أَخْلَاقًا" (رواه الترمذي) ولله در القائل:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوم النفس بالأخلاق تستقم
وكما أن للأخلاق أثرها على الفرد، لها أثرها على المجتمع، فالقيم الطيبة هي
أساس لبناء المجتمعات، وباب عظيم لنشر المحبة والألفة والمودة، ولله در القائل
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
اللهم اهدنا لأحسن
الأخلاق واصرف عنا سيئها
واحفظ مصر وجيشها من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا