recent
آخر المشاركات

خطبة الجمعة القادمة: احتـــرام الكبيــر - للشيخ / محمد حســــن داود (13 ذو القعدة 1444هـ - 2 يونيو 2023م)

 


خطبة بعنــــوان:
احتــــــــرام الكبيـــــــر
للشيخ / محمد حســــن داود
(13 ذو القعدة 1444هـ - 2 يونيو 2023م)

العناصــــــر:      مقدمة
- وصية الإسلام بالكبير.
- تقدير الكبير في سيرة الأنبياء والصحابة.

- من مظاهر احترام الكبير.
- الوالدين، برهما وفضله، وعقوقهما وعواقبه.

الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم54) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ" (رواه أبو داود)، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

إن الإسلام دين القيم والأخلاق في أسمى معانيها، وإن من  الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة: "احترام الكبير"، فلقد وهب الإسلام الكبير حقا في الاحترام والتقدير، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا"، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: "الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ" (صحيح ابن حبان) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِكُمْ؟"، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا " (رواه أحمد).

ومن ينظر سيرة الأنبياء (عليهم السلام) يجد هذا التقدير في أسمى معانيه؛ فهذا سيدنا موسى (عليه السلام)، يقول الله (عز وجل) حكاية عنه (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) فانظر كيف كان الخلق الحسن أمام حاجة بدت من ضعيفين: المرأة والشيخ الكبير؟ قال تعالى: (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص23).

وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) القائل: "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ "(رواه أبو داود)  يوم أن دخل مكة، وإذا بأَبي بَكْرٍ (رضي الله عنه وأرضاه) آخذاً بيدي أبيه أَبِي قُحَافَةَ، ذلك الشيخ الكبير، إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَيقول له النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ (رواه أحمد) كذلك انظر ما كان منه فيما جاء عن المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، فَقَامَ أَبِي عَلَى البَابِ، فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَوْتَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَمَعَهُ قَبَاءٌ وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: "خَبَأْتُ هَذَا لَكَ خَبَأْتُ، هَذَا لَكَ" (البخاري) وانظر كيف كان لينا سهلا معهم، ففي الشمائل للترمذي، عَنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، وَعِنْدِي عَجُوزٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ؟"، فَقُلْتُ: مِنْ خَالَاتِي، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ"، فَوَلَّتْ تَبْكِي، فَقَالَ: "أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا) (الواقعة 35 – 37). كذلك عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ "يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا" (رواه مسلم).

وعليه كان الصحابة (رضي الله عنهم)، فهذا عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه), يخرج في سواد الليل كلَّ يوم إلى أحد البيوت, فرآه طلحةُ في يومٍ من الأيام, فلما جاء الصبح ذهب إلى ذلك البيت, فإذا هو بعجوزٍ عمياءَ مقعدة, فقال لها: ما بال هذا يأتيكِ؟ قالت: إنه يتعهدني منذ كذا وكذا, يأتيني بما يُصلحني, ويخرج عني الأذى... وإن من مظاهر احترام الكبير:

- تقديرهم: يقول سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: "لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) غُلَامًا فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَا هُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي "(رواه مسلم).

- تكريمهم في سائر الأمور فهم أحق بالمبادأة بالكلام والحوار والإطعام والشراب فعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْل،ِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِم،ْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) "كَبِّرْ الْكُبْرَ" (رواه البخاري في الأدب المفرد) وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، فَصِرْنَا إِلَى مَضِيقٍ فَتَقَدَّمَنِي ثُمَّ قَالَ لِي" لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْبَرُ مِنِّي بِيَوْمٍ مَا تَقَدَّمْتُكَ "(رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْجَامِعِ).

- احترامهم والتوسعة لهم في المجلس؛ فَعَنْ أَنَسٍ (رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ) قالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا" (الترمذي).

إن توقير كبار السن ورعاية حقوقهم واجب الجميع، ذكورا وإناثا، وسيقطفون ثماره فيما يستقبلون من الأيام، فالكبر غاية سيصل إليها من مد الله في عمره ،وكما تدين تدان، يقول يحي بن سعيد المدني (رحمه الله) " بلغنا أن من أهان ذا شيبة لم يمت حتى يقيِّض الله (عز وجل) له من يهينه في كبره"

ولا شك أن احترام الكبير ورعاية حقه وحسن التعامل معه يزداد أهمية بل ومسئولية ويرتقى أثرا إذا كان أبا أو أما، فإن للوالدين في الإسلام منزلة سامية ودرجة عالية، حيث قرن الله (سبحانه وتعالى) ذكرهما بذكره وشكرهما بشكره، وجاء الأمر بطاعتهما بعد الأمر بعبادته فقد قال الله (تعالى): ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (الاسراء23-24)، ومن هذا يتجلى لنا مكانة الوالدين وعظم أمرهما؛ إذ قال فيه النبي (صلى الله عليه وسلم):‏ "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ‏". وذاك رجل يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته، إذ قال لابن عمر (رضي الله عنهما) أترى أني جزيتها؟ قال: "لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً".

إن فضل بر الوالدين عظيم، وأثره طيب كريم:

-  ففيه زيادة العمر والرزق، إذ يقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " (رواه أحمد).

- تحصيل الخير بدعائهما: فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ".

- مغفرة الذنوب: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ؟ قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ" ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبِرَّهَا "(رواه الترمذي)

- تفريح الكربات وإجابة الدعوات: ولقد علمتم أمر أصحاب الغار (الثلاثة الذين أصابهم المطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم)؛ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ " بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ ".فدعا الأول بما كان منه طاعة لوالديه وبرا ورعاية وإحسانا، ودعا الثاني بصدقه في البعد عن الفحشاء، وقصد طاعة الله (جل وعلا)، ودعا الثالث بما كان من حفظه للأمانة ورد الحقوق؛ كانت النجاة من الهلاك، إذ فرج الله عنهم ما كانوا فيه. (والقصة بتمامها في صحيح البخاري).

- سبب لدخول الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ" رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ" مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"(رواه مسلم).

وكما جعل الله (عز وجل) للبر فضائل، كان للعقوق عواقب، فلقد عده النبي (صلى الله عليه وسلم) من الكبائر؛ فعن أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا، الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ"، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ".

ويكفى في عواقبه قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(الرعد25) وقوله سبحانه (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ (محمد (22/23) ويقول النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ يُعَجِّلُ لَصَّاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ". وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوث". وقال أيضا " لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ،...".

لقد أمرنا الله تعالى ببر الوالدين فقال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) (لقمان14) ودعانا إلى شكرهما فقال تعالى: (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان14) وحثنا على صحبتهما بالمعروف فقال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان 15) ووجهنا إلى حسن المعاملة معهما فقال: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الاسراء23/24) وأكد على الدعاء لهما فقال: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (الاسراء24)، ونهانا عن عقوقهما فقال:( فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) (الاسراء23).

فاعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان؛ وقد حكي أن شابا كان بصحبة والده في رحلة الحج وفى رجوعهما أراد الأب أن يقضى حاجته، فقال لابنه انطلق مع القافلة وسألحق بكم، ومضى الشاب مع القافلة وبعد وقت ﺍﻟﺘﻔﺖ الشاب فوﺟﺪ أن والده قد تأخر كثيرا عن القافلة، فأسرع إلى والده يحمله على ﻛﺘﻔيه، متجها به نحو القافلة، وإذا به يشعر بدموع والده تتساقط على رأسه، ﻓﻘال يا أبى، والله ما أجد مشقة في حملك، فيجي الوالد، يا بني، ليس لهذا بكيت، ولكن في هذا المكان حملت أنا والدي.

 وذاك آخر ضاق بوالده المسن فصنع له وعاء خشبيا؛ حتى لا تنكسر منه الأطباق لرعشة يديه، فسأله اصغر أبنائه عن سبب صنع هذا الإناء، فأجاب لنضع فيه الطعام فإذا وقع من يديه لا ينكسر، فقال الولد: نعم، حتى إذا صرت في سن جدي وارتعشت يداك وضعنا لك فيه الطعام .

ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر     -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf    جوجل درايف     ----        اضغط هنا

google-playkhamsatmostaqltradent