recent
آخر المشاركات

(مـــن دروس شهـــــر رمضـــان) " فضائل شهر رمضان وبركات الصيام" للدكتـــــــور / محمد حســـن داود

 

 (مـــن دروس شهـــــر رمضـــان)

" فضائل شهر رمضان وبركات الصيام"

 للدكتـــــــور / محمد حســـن داود



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فمع أن كل أوقات الطاعات والعبادات خير، إلا أن الله (عز وجل) زاد بعضها خيرا وبركة وفضلا على غيرها، ومنها:  "شهر رمضان".

- فهو شهر تفتح فيه أبواب الرحمات، شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين: فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ" (رواه أحمد). وقال صلى الله عليه وسلمَ: " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَاب، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَاب، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" (رواه الترمذي ). وعن أبى هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )" إِذَا كَانَ رَمَضَانُ ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ " (رواه مسلم).

- وهو شهر نزول القرآن: قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة 185 ) .

- شهر يجود الله فيه على عباده بالعتق من النار، فقد قال صَلى الله عليه وسلم: "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ". وقال: "إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ"( أحمد وابن ماجه).

- فيه ليلة هي خير من ألف شهر:  فقد قال الله (سبحانه وتعالى) في فضلها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (سورة القدر )، ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم) "إنَّ هذا الشَّهرَ قَد حضرَكُم وفيهِ ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شَهْرٍ من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ ولا يُحرَمُ خيرَها إلَّا محرومٌ". وقال: "مَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ".

هو شهر الصيام؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183).

والصيام باب مغفرة للذنوب: إذ يقول صَلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) كَانَ يَقُولُ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ " (رواه مسلم).

ولم تقف بركات هذه الفريضة العظيمة عند هذا الحد، فقد وعد الله أهل الصيام بالأجر العظيم، والثواب الجزيل؛ كما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ هُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، إِذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرِحَ بِصَوْمِهِ".

 ففي هذا الحديث دلالة على مكانة الصيام وعظيم أجره من وجوهٍ عديدةٍ:

منها: أن الله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال؛ مع أن كل الأعمال الصالحة له سبحانه، وإنما كان ذلك لشرف الصوم عنده سبحانه، ومحبته له، وظهور إخلاص العبد له سبحانه فيه؛ إذ لا يدخله الرياء،  وقد جاء في الحديث القدسي: "يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي"

ومنها: أن الله قال في الصوم: "وأنا أجزي به", فأضاف الجزاء إلى نفسه سبحانه؛ فالأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد,( الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة), إلا الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد, وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، فيكون أجر الصائم عظيما كثيرا بلا حساب.

كما أن الصيام فيه معاني الصبر ، وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر 10).

ومنها: أن الصوم جنة؛ أي: وقاية وستر يقي الصائم من اللغو والرفث، والمحرمات، ولذلك في الحديث السابق: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث وَلاَ يَصْخبْ".

كما يقيه أيضا من النَّار ، فعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: " قَالَ رَبُّنَا (عَزَّ وَجَلَّ): الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ، وَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " (رواه أحمد)

ومنها: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ لأنها من آثار الصيام.

ومنها: أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، أما فرحه عند فطره فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام، كما يفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرما عليه حال الصوم.

وأما فرحه عند لقاء ربه فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله ( سبحانه وتعالى) موفرا كاملا في وقت هو أحوج ما يكون إليه، فعن سَهْلٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " (رواه البخاري ومسلم) وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ "، قَالَ: " فَيُشَفَّعَانِ " (رواه أحمد)

غير أن الأعمال الصالحة على اختلاف صنوفها في هذا الشهر لها أجر عظيم وفضل كبير، كما ورد في فضل بعض الأعمال كالصيام في الأحاديث التي ذكرتها، وكذلك ما جاء في فضل ليلة القدر، وكالعمرة في  حديث :" عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي"؛ يقول النخعي "صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة ، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة". ويقول ابن رجب الحنبلي: "واعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل... ومنها: شرف الزمان كشهر رمضان وعشر ذي الحجة" (لطائف المعارف، لابن رجب).

فما أحوجنا إلى أن نغتنم هذا الشهر الكريم بصالح الأعمال فنسارع فيه الى الخيرات ونسابق فيه الى الطاعات، ونكثر فيه من القربات، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) :"افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ"، ويقول الحسن البصري (رحمه الله): "إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا".

نسأل الله أن يبارك لنا في رمضان، وأن يتقبل منا الصيام وصالح الأعمال

وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===

محمد حســــن داود

إمام وخطيب ومـــــدرس

دكتوراة في الفقه المقارن

لتحميــل الدرس word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الدرس word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الدرس   pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الدرس word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الدرس word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الدرس pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent