recent
آخر المشاركات

(من دروس شهر رمضان) "رمضان شهر القرآن" - للدكتور/ محمد حســـن داود

(من دروس شهر رمضان)
"رمضان شهر القرآن"
للدكتور/ محمد حســـن داود



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فالقرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، والنور المبين، والشفاء النافع، من قرأه أُجر، ومن تدبره تذكر، ومن تمسك به نجا، ومن اتبعه هُدي إلى صراط مستقيم، قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (إبراهيم: 1).

ومن ينظر القرآن والسنة يجد أن الله (عز وجل) قد شرف شهر رمضان بنزول القرآن فيه؛ قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185) وقال سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1)، وفي الحديث النبوي الشريف:" وأنزل القُرْآن لأربعٍ وعِشرينَ خلَتْ مِن رمَضانَ". وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً: ثم قرأ قوله تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) (الفرقان: 33) وقوله تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) (الإسراء:  106) "(رواه الحاكم).

فالقرآن الكريم هو أفضل ما تعمر به الأوقات حفظا وتلاوة وتدبرا وعملا، خاصة في هذا الشهر الكريم؛ فانظر ماذا يقول سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) في حال النبي (ًصَلى الله عليه وسلم): " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏) ‏أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ ‏جِبْرِيلُ ‏‏وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ ‏(‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ‏‏أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ‏ ‏الْمُرْسَلَةِ ‏" فكان جبريل (عليه السلام)، يُدارِسُ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) القرآن في كل ليلة من رمضان، حتى إذا كان العام الذي توفي فيه، نزل إليه جبريل فعارضه القرآن مرتين. هذا بجوار التلاوة والقيام به.

كما كان الصحابة (رضوان الله عليهم) يتنافسون في حفظ لفظه وفقه معناه فكان القرآن الكريم أنيسهم في وحدتهم وصاحبهم في إسفارهم وصديقهم في كل أحوالهم، حتى كان يسمع لبيوتهم دويا كدوي النحل من تلاوة القرآن، والقيام به في الليل، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُهُ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمَانُ وَأَنْ تَمَلَّ فَاقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ فَقُلْتُ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرَةٍ ، قُلْتُ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ قُلْتُ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَأَبَى" (رواه بن ماجه) وعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ المَصَابِيحِ ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا، قَالَ: "وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟"، قَالَ: لاَ، قَالَ: "تِلْكَ المَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا ، لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ" (رواه البخاري)

ولقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستمع إلى هذه الأصوات العذبة المنبعثة بين هذه البيوت المباركة وقلبه منشرحا بذلك، فقد قال لأبي موسى الأشعري: "لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ "وعَنْ أَبِي مُوسَى أنه قال: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "إِنِّي لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ؛ وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ"( رواه البخاري)

لقد كان سلفنا الصالح يتخذون من شهر رمضان فرصة لمدارسة القرآن؛ فقد جاء عن ابن مسعود "أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي ثَلَاثٍ". وعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنها كانت تقرأ في المصحف أول النهار في رمضان فإذا طلعت الشمس نامت. وعن الأسود بن يزيد أنَّه "كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ ".، كما ذكر ابن رجب (رحمه الله): أن قتادة كان يدرس القرآن في شهر رمضان. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام"، وكان مالك وكذلك سفيان الثوري إذا دخل رمضان أقبلا على قراء القرآن. كما ورد أن قتادة كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة،  وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث، والشافعي (رضي الله عنه) قال عنه ربيع بن سليمان : "كان محمد بن أدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة، ما منها شيء إلا في صلاة . وكان الإمام البخاري رحمه الله: يقرأ في كلّ يوم وليلة مِن رمضان ختمة واحدة.

إننا ونحن في هذا الشهر العظيم المبارك يجب علينا أن لا نهجر القرآن، وإنما نداوم على القراءة وتأمل آياته وتدبر معانيه، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (ص: 29)، ويقول سبحانه (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) (النساء: 82)، فالأمر لا يقتصر على القراءة بل أن يعيش الأنسان مع القرآن بقلبه وعقله وجوارحه، ويعمل بما جاء فيه، ويتحلى بقيمه واخلاقه وسلوكه.

إن لقراءة القرآن فضل كبير، وأجر عظيم؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)" مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ" (رواه البخاري ومسلم) وعن عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ (رضي الله عنه) قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ "(رواه الترمذي)

فما أعظم أن يفوز العبد في هذا الشهر المبارك بعظيم الدرجات فعن عبد الله بن عمرو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما) قال: قال رسولُ الله (صلَّى الله عليه وسلم) "يقالُ لصاحبِ القرآن: اقرَأ وارتَقِ، ورتِّل كما كُنْتَ ترتِّل في الدُنيا، فإن منزِلَكَ عندَ آخرِ آية تقرؤها " (رواه أبو داود) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : " يَجِيءُ صَاحِبُ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: الْقُرْآنُ يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ زِدْهُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَيَرْضَى عَنْهُ ، وَيُقَالُ لَهُ اقْرِهِ وَارْقَهْ، وَيَزْدَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً " (مستدرك الحاكم ).

وما أعظم أن يفوز العبد بشفيعين في شهر البركات والخيرات ،فعن أَبي أمامه الْبَاهِلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ " (رواه مسلم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (رضي الله عنهما) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَال: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ" (رواه أحمد).

اللهم شفع فينا القرآن والصيام
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســـــــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

لتحميــل الدرس word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الدرس word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الدرس   pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الدرس word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الدرس word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الدرس pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا


google-playkhamsatmostaqltradent