recent
آخر المشاركات

(من دروس شهر رمضان) فضائل العشر الأواخر والتماس ليلة القدر فيها للدكتور / محمد حســـــــن داود

 

(من دروس شهر رمضان)

فضائل العشر الأواخر والتماس ليلة القدر فيها
للدكتور / محمد حســـــــن داود

مشاعر إيمانية ملأت قلوبنا ونحن نستقبل هذا الشهر المبارك، وكلنا رجاء أن يوفقنا الله لكل عمل صالح، فشمر المجدون، واجتهد المخلصون، وها هي أيام الشهر الكريم بعضها يمر، شاهدة بما عملتم، وحافظة لما أودعتم، وها نحن على باب صفوة أيامه: عشر التجليات، عشر النفحات، عشر البركات، تدعوا من أحسن أن يزداد من الطاعات، ومن قصر أن يغتنم ما بقى بالعبادات، فطوبى لمن عرف قدرها، وأدرك عظيم فضلها، واستمعوا معي إلى أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) وهي تتحدث عن حال النبي (صَلى الله عليه وسلم) فيها فتقول: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ" (رواه مسلم). أمرا يحثنا جميعا أن نهتدي بهديه، فنغتنم هذه العشر بصالح الأعمال على اختلاف صنوفها وألوانها، ومن ذلك:

- إحياء الليل بالقيام: فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا)، قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ " (رواه البخاري) .

- ومن هدى النبي (صَلى الله عليه وسلم) في هذه العشر حث الأهل وإيقاظهم لقيام الليل، فعَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخير من رَمَضَان" (رواه الترمذي) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أيضا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أنها قالت: " لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا يُطِيقُ الْقِيَامَ إلا أقامه ".

- قراءة القرآن: فلقد كان جبريل (عليه السلام) يلقى النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، وكفى في فضله الشفاعة لأصحابه يوم القيامة فعن أَبي أمامه الْبَاهِلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ" (رواه مسلم)

- الدعاء: إذ أن مظان الإجابة تكثر في هذا الشهر المبارك؛ لقرب الإنسان من ربه بالعبادات والطاعات والقربات، من صيام وقيام وصدقات وذكر وغير ذلك من صالح الأعمال، فقد قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)، فهذه الآية جاءت بين آيات الصيام إشارة إلى ما لرمضان من خصوصية بالدعاء، وما للصيام من ارتباط بالإجابة والقبول، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ)" ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ". وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسولَ الله (صلَّى الله عليْه وسلَّم) يقول: "إنَّ للصَّائم عند فِطْرِه دعوةً ما تُرَدُّ" (رواه ابن ماجه).

- كذلك ذكر الله (عز وجل)، وكثرة الاستغفار، والصدقات وغير ذلك من صالح الأعمال، فأبواب الخير كثيرة، وميادين البر واسعة.

ولعل من أعظم أسباب اجتهاد النبي (صَلى الله عليه وسلم) في هذه العشر أن فيها ليلة القدر، الليلة التي قال الله (سبحانه وتعالى) فيها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر * ِوَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة القدر) فقد قال صلى الله عليه وسلم: "تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ".

- فلقد عظم الله (سبحانه وتعالى) شأن هذه الليلة بنزول القرآن فيها، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً: ثم قرأ قوله تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) (الفرقان: 33) وقوله تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) (الإسراء: 106) "(مستدرك الحاكم).

- وسميت ليلة القدر بهذا الاسم: لما أضفاه الله عليها من جموع الفضائل والشرف فهي ليلة نزل فيها القرآن، وفيها تقدر مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والجدب والقحط، وكل ما أراده الله (تعالى) في السنة، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان 4). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) فِي قَوْلِهِ: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قَالَ: "يُكْتَبُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ أَوْ مَطَرٍ، حَتَّى يُكْتَبَ الْحَاجُّ؛ يَحِجُّ فُلانٌ، وَيَحِجُّ فَلانٌ". وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أيضا، قَالَ: " إِنَّكَ لَتَرَى الرَّجُلَ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ، وَقَدْ وَقَعَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى"، ثُمَّ قَرَأَ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ: يُفْرَقُ أَمْرُ الدُّنْيَا إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ" (مستدرك الحاكم).

- وللعبادة فيها قدر عظيم: قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر)، عَنْ الِإمَامِ مَالِك، أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ:" إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ؛ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ"( موطأ مالك).

- وفيها: مغفرة الذنوب لمن قامها إيمانا واحتسابا، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

- وهي أرجى لإجابة الدعاء: فلقد سألت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) رسول الله (صَلى الله عليه وسلم): يا رسولَ الله، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةُ القدْر؛  ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللَّهُمَّ إنَّك عفُوٌّ تحبُّ العفوَ، فاعفُ عنِّي" (رواه الترمذي).

وفيها: تضيق الأرض بالملائكة الذين ينزلون بالخير والبركة والرحمة والمغفرة، قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)، وعن أبى هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلمَ) قال في ليلة القدر: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى" (رواه أحمد).

- وهى ليلة سلام كلها، خالية من الشر والأذى، فيها خير عميم وبركة عظيمة، وفضل ليس له مثيل، قال تعالى: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).

ولها علامات في أثنائها، وكأنها بمثابة الحاث على اغتنامها والمرغب في الاجتهاد فيها، وتلكم العلامة هي أنها تكون ليلة مضيئة، مشرقة، صافية، فيها سكينة، لا برد فيها ولا حر، فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): "إِنِّي كُنْتُ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ نُسِّيتُهَا، وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَهِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا، لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فجرها" (رواه ابن حبان).

وأما العلامة التي تكون بعد انقضائها وكأنها بمثابة المبشر بالأجر والدرجات فهي كما في الحديث الذي رواه مسلم، عن أبي بن كعب "وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا ".

أما من فرط في شهر الصيام فحرم خيرها، فهو المحروم، كما قال صلى الله عليه وسلم "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ".

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

لتحميــل الدرس word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الدرس word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الدرس   pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الدرس word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الدرس word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الدرس pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا



google-playkhamsatmostaqltradent