recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــــوان: إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح - للدكتــــور / محمد حســــــن داود (30 محرم 1447هـ - 25 يوليو 2025م)

 

خطبة بعنــــــوان:
إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح
للدكتــــور / محمد حســــــن داود
(30 محرم 1447هـ - 25 يوليو 2025م)


العناصـــــر :         
- مكانة الوقت وأهميته.
- دعوة الإسلام إلى اغتنام الأوقات، وحرص السلف الصالح عليها.
- إدارة الوقت مفتاح النجاح.
- مخاطر إضاعة الوقت.
- دعوة إلى اغتنام الأوقات.

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، جعلَ الوقتَ رأس المال، وميدان الأعمال، سبحانه، نعمه لا تحصى، وآلاؤه ليس لها منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خير من عرف للوقت قدره، واغتنم أيامه وعمره، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن نعم الله (عز وجل)على الإنسان كثيرة، قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النحل: 18)، وإن من أعظمها قدرا وأرفعها شأنا: "نعمة الوقــــت"، فعَنْ سيدنا عبد الله بْن عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم)َ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ" (رواه البخاري).

فلقد أقسم الله (عز وجل) بها في كتابه العزيز، بيانا لشأنها ومكانتها، وحثا للعباد على اغتنام إقبالها قبل إدبارها، وتنبيها من الغفلة عن الانتفاع بها رقيا وتقدما وعملا وإنتاجا ومسارعة الى الخيرات والقربات والطاعات، قال تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (الفجر: 1-3). وقال سبحانه: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (الضحى: 1-5). وقال جل وعلا: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر). وقال تعالى: (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) (المدثر: 34). وقال عز وجل: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) (الليل: 1-2)؛ في إشارة عظيمة إلى الاهتمام بالأوقات، والمسابقة فيها إلى الخيرات؛ قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد: 21)، وقال سبحانه: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (ال عمران: 133)، وقال عز وجل: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة: 148)، قال السَّعْدِي، في (تفسيره): "فمن سبق في الدُّنْيا إلى الخيرات فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجة". وفي قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (الواقعة: 10 – 12) يقول: "السابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الدرجات في الآخرة".

كما أن المتدبر في الفرائض والعبادات يجد دعوتها إلى اغتنام الأوقات بالطاعات؛ ففي الصلاة يقول تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء: 103)، ولما سئل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن أفضل الأعمال: قال "الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا"، وفي الزكاة يقول عز وجل: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) (الأنعام: 141)، وفي الصيام يقول جل وعلا: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: 185)، وفي الحج يقول سبحانه: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) (البقرة: 197).

كذلك يرى المتدبر في الكون مِن حوله أن كل ما فيه يذكرنا بعظيم شأن الوقت، ويدعونا إلى التمسك بنفعه؛ فطلوع الشمس وغروبها، والقمر الذي قدره الله منازل كل يوم تراه أصغر أو أكبر من اليوم الذي قبله، وحركة الكون والكواكب، ومرور الأعوام، وتعاقب الأجيال، وانقضاء الآجال، وما في الأرض من زرع ينبت، ونبات يزهر، وزهر يثمر، وثمر يقطف، وزرع يصبح هشيما تذروه الرياح، وما في أحوال البشر من جنين يتكون، وقلب ينبض، وطفل يولد، وولد يشب، وشاب يكتهل، وكهل يشيخ، وشيخ يموت، ومن أحوال تدور على الناس من يسر وعسر، وغنى وفقر، وصحة وسقم، وسرور وحزن، وشدة ورخاء، وسراء وضراء؛ كل هذا يذكرنا بقيمة الزمن والوقت، ومن ذلك يقول عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه): "إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا". أي إن الليل والنهار يعملان فيك ضعفا في بدنك، وانحناء في ظهرك، وشيبا في رأسك، وضعفا في قوتك، وعشى في بصرك، وثقلا في سمعك. ولله در من قال:

دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني

ولقد علم السلف الصالح أن أوقاتهم هي أعمارهم فكانوا في أشد الحرص عليها،  يكثرون من النصح فيها، فعَنْ سيدنا عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) أَنَّه كَانَ يَقُولُ: "إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ". ويقول الحسن البصري (رضي الله عنه): "أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ حِرْصًا مِنْكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ". وقد قيل لسفيانَ الثوري (رحمه الله): اجلس معنا نتحدث، قال: "كيف نتحدثُ والنهارُ يعملُ عملَه". ونقل عن عامر بن قيس (من التابعين) أن رجلاً قال له: تعال أكلمك، قال: "أمسك الشمس" يعني أوقفها لي واحبسها عن المسير لأكلمك، فإن الزمن سريع المضي لا يعود بعد مروره، فخسارته لا يمكن تعويضها واستدراكها.

ومن ثم فإن كانت الحكمة تقول: "الوقت من ذهب"، فالحق أن نقول: "الوقت أثمن من الذهب" إذ إن الوقت هو عمر الإنسان، هو حياته، هو رأس ماله، يقول الحسن البصري: "يا ابن آدم، إنَّما أنت أيَّام، كلَّما ذهب يومٌ ذهب بعضُك". ويقول أيضا: "أدركت أقوامًا كان أحدهم أشحّ على عمره منه على درهمه". وكان السري يقول: "إذا اغتممتَ بما ينقص من مالك فابك على ما ينقص من عمرك".

هكذا كان حرصهم البالغ على أوقاتهم، يسعون بكل جد إلى التّرقي من حالٍ إلى حال أحسن، فيكون يوم أحدهم أفضل من أمسه، وغده أفضل من يومه، لا يرضى أحدهم أن تمر به برهة من الزمن وإن قصرت، دون أن يتزوّد منها بعلمٍ نافع، أو عملٍ صالح، حتى لا تذهب الأعمار سدى، وتضيع هباء، وتذهب جفاء، يقول سيدنا عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): "مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمِ غَرَبَتْ شَمْسُه نَقَصَ فِيهِ أَجْلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي".

إن الوقت مَوْرِدٌ نادرٌ، ولأنّه سريع الانقضاء، لا يرجع منه ما مضى ولا يعوَّض منه ما فات، كان إدراك الإنسان لقيمة وقته من إدراكه لوجوده وإنسانيته ووظيفته في هذه الحياة الدنيا، ومن ثم فحسن إدارة الوقت فارق بين النجاح والفشل، والفوز والخسارة؛ فلقد تنوّعت نظرة الناس إلى أوقاتهم؛ فمنهم من أساء إدارتها وأهملها وضيعها فكانت الخسارة، ومنهم من عرف قيمتها فأحسن إدارتها، وتنظيمها، والموازنة بين مسئولياته فيها، وإعطاء كل جانب منها ما يستحق من هذا الوقت، ففاز بكل نجاح؛ وفي الحديث: "إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ" (رواه البخاري).

 إن بركة الأعمار ليست بطول سنواتها مع تضييعها، وإنما بركتها في حسن إدارتها، في اغتنامها فيما ينفع في الدنيا والآخرة، فعن سيدنا أَبِي بَكْرَةَ (رضي الله عنه)، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ"، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ": (رواه الترمذي وقال حسن صحيح) فاللبيب الفطن يعلم أن أنفاسه معدودة، وساعاته في الدنيا محدودة، وأن عمره هو رأس ماله، ولا يمكن أن يَسعد إذا أهمل هذا العمر، وأساء إدارة هذا الوقت، وقد قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (الزلزلة: 7- 8). ويقول سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلم) :"لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمْرهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ" (رواه الطبراني). ويقول الحسن البصري: " ما من يوم يمرُّ على ابن آدم إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدِّم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّر ما شئت فلن يعود إليك أبداً".. ورحم الله من قال:                 

إِنَّا لَنَفْــــــــــــــرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا *** وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَـــلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا *** فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ

ولقد ذكر لنا القرآن الكريم موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفعه الندم:

* الموقف الأول ساعة الاحتضار: حيث يستدبر الإنسان الدنيا وما فيها، ويستقبل الآخرة بما أَعد لها من عمل، ويتمنى لو أعطي مهلة من الزمن، ويؤجل إلى أجل قريب ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات، وفي هذا يقول ربنا (تبارك وتعالى):  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون: 8-11) ويقول أيضا: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (المؤمنون: 99- 100)

نعم لا شك أن العبد في هذا الوقت يتذكر أوقاته وحسناته وسيئاته ويتمنى لو زاد العمر دقائق يزيد بها أعماله عملا صالحا وإن قل، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَرَّ بِقَبْرٍ، فَقَالَ: "مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ؟" فَقَالُوا: فُلانٌ، فَقَالَ: "رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ"(رواه الطبراني)، وفي ذلك جاء أن الربيع بن خثيم (رضي الله عنه) حفر في بيته قبرا، فكان إذا وجد في قلبه قساوة أو استهوته الدنيا دخل القبر وكان يمثل نفسه أنه قد مات وندم وسأل الرجعة فيقول (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) ثم يجيب نفسه فيقول: قد رجعت يا ربيع ، فيخرج من القبر ويقول تذكر يا ربيع يأتي يوم تقول رب ارجعون فيقال لك كلا.

* والموقف الثاني: يكون في الآخرة، يوم توفى كل نفس ما عملت، وتجزى بما كسبت ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هنالك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الحياة الدنيا للاجتهاد في كل عمل صالح، ولكن هيهات هيهات لما يطلبون، فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء، يقول تعالى: ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) (فاطر: 37). هذه من مشاهد الندامة والحسرة التي تمتلئ بها قلوب أقوام أنعم الله عليهم بنعمة الوقت والحياة، وأنعم عليهم بنعمة الصحة والفراغ، وفتحت أمامهم مجالات العمل الصالح، لكنهم فرطوا فيها وأضاعوها.

تدبروا معي جواب الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) على سؤال هذا الرجل الذي جاء يسأله: مَتَى السَّاعَةُ؟ فقَالَ له النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟". قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" (رواه البخاري) فلقد سأل الرجل عن الوقت والزمن الذي تقوم فيه الساعة، وأجابه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) عن عمله في وقته وزمنه، فالزمن سيمر ولكن ماذا صنعت فيه؟، والساعة آتية لا ريب فيها ولكن ماذا أعددت لها؟. ولما سأل رَبِيعَةُ بْن كَعْب الأَسْلَمِيُّ النبيَ (صلى الله عليه وسلمَ) مرافقته في الجنة، دله صلى الله عليه وسلمَ على اغتنام أيامه وأوقاته، فقال: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ". ويتضح لنا أثر هذا الحرص على الوقت فيما جاء عن سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) "أنَّ النبيَّ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) قالَ لبِلالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ: يا بلَالُ، حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ؛ فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ. قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ"(رواه البخاري).

احفظوا أوقاتكم، واحذروا ضياعها في غير فائدة، فالأيام تتسارع، والأزمنة تتلاحق والأوقات تتقارب والصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، ولا يخلو حال الإنسان من وقوع المعوّقات ممّا يقف حائلًا دون أداء الأعمال أو إتمامها، ولقد قال سيدنا النبي (صلى الله عليه وسلم): "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ". وقال أيضا: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابُكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتُكَ قَبْلَ سِقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغُكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتُكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ".

فَبَـــادِرْ شَبَابَـــكَ أَنْ يَهْرَمَــا  ***  وَصِحَّـــةَ جِسْمِـــكَ أَنْ تَسْقَمَا
وَأَيَّامَ عَيْشِكَ قَبْلَ الْمـَمَــاتِ  ***  فَمَا دَهْرُ مَنْ عَاشَ أَنْ يَسْـلَمَا
وَوَقْـتَ فَـرَاغِــكَ بَـــادِرْ بهِ  ***  لَيَــــالِيَ شُغْلِكَ فِي بَـعْضِ مَا
وَقَــدِّمْ فَكُـــلُّ امْـرِئٍ قـَــادِمٌ  *** عَلَى بَعْضِ مَا كَانَ قَدْ قَدَّمَـــــا

اللهم أصلح لنا أوقاتنا، وبارك لنا فيها، واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----       اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  pdf    جوجل درايف      -----       اضغط هنا 

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent