recent
آخر المشاركات

حرمة الكذب والافتراء والإفساد وإشاعة الفوضى - للشيخ محمد حسن داود


خطبة بعنوان :
حرمة الكذب والافتراء والإفساد وإشاعة الفوضى
للشيخ / محمد حســــن داود


ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة :   pdf  اضغط هنا

العناصـــــر :
 1 - الإسلام دين مكارم الأخلاق .
2 - خطورة الكذب وأثره على الفرد والمجتمع .
3 - خطورة الشائعات وأثرها على الفرد والمجتمع .
4 - خطورة الإفساد وأثره على الفرد والمجتمع .
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )الإسراء36) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" رواه أحمد) ويقول أيضا " وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ " متفق عليه) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الإسلام داعيا إلى تزكية النفوس وتقويم السلوك وإصلاح الباطن والظاهر؛ جاء داعيا لتحقيق أنبل الطباع وأحسن الأخلاق والخصال، فقد قال رسول الله صلى  الله عليه وسلم " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" رواه أحمد) وما زال الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على هذا حتى قال " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا " رواه أبو داود) فما من خلق فيه خير للفرد والمجتمع إلا وأمر الإسلام  به وحث عليه، وما من خلق فيه شر للفرد والمجتمع إلا وحذر منه ونهى عنه ؛ وان من الأمور التي نهى الإسلام عنها وحذر منها " الكذب والافتراء والإفساد وإشاعة الفوضى " فما من معول هدم اشد على الفرد والمجتمع من انتشار مثل هذه الأمور، ولله در القائل
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فالكذب، خلق ذميم ووصف قبيح، لا يرضاه عاقل لنفسه، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ " وانظر هذا أبو سفيان قبل أن يسلم، ذهب في ركب من تجار قريش إلى الشام، فلما سمع بهم هرقل ملك الروم بعث إليهم ليسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو سفيان: " فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عنه ".
إن الكذب داء عضال ومرض خطير، هو رأس الرذائل، ومجمع المساوئ، يقول الإمام الماوردي " والكذب جماع كل شرٍّ وأصل كل ذمٍّ لسوء عواقبه وخبث نتائجه ". فالكذب إن أصاب قلبا أمرضه، وكان دليلا على سوء الطوية، وانحطاط الهمة، وسقوط المنزلة عند الله وعند الخلق، فعند الإمام مالك في الموطأ موقوفاً على ابن مسعود، رضي الله عنه " لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه، فيكتب عند الله من الكاذبين" وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ : " مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ "رواه البيهقى) و9إن أصاب أسرة فرقها، وإن أصاب مجتمعا أوهنه، فهو باب للمحن ، ومزيل للنعم والمنن، طارد للخير، جالب للشر، وكفى في خطره وقبحه انه من خصال النفاق ، يقول جل وعلا ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾المنافقون1) و في الصحيحين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ:" إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " ويقول الحسن البصري رحمه الله " الكذب جماع النفاق ". فكم فرق بين أحباب ونثر الشقاق بين أصدقاء، وزرع العداوة بين أهل وأرحام، لذا تنفر منه النفوس الكريمة، والطبائع السليمة، والعقول الحكيمة، وقد قيل ( من قلَّ صدقه قلَّ صديقه ) فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله " إياك أن تستعين بكذوب؛ فإنك إن تطع الكذوب تهلك "
 ومازال الإسلام يؤكد على حرمة الكذب حتى ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه حتى مع الأطفال، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ " قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ" رواه أبو داود واحمد) بل استمع معي إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم " ويلٌ للذي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحكَ بهِ القومَ فيكذِبُ ويلٌ لهُ ويلٌ لهُ " رواه الترمذي وأبو داود )
إن المتتبع لآيات القران الكريم ونصوص السنة النبوية، يجد كل الوعيد لمن اتخذ الكذب سبيلا إلى غايته، إذ يقول الله جل وعلا (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الجاثية 7) ويقول سبحانه ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )النحل116/ 117) وعنْ ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " متفق عليه) وفى صحيح البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ , قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ , فَقَالَ : مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا ؟ , قَالَ : فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ : مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا , فَقَالَ : , هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا ؟ , قُلْنَا : لَا ، قَالَ : لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي ، فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : عَنْ مُوسَى ، إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ ، قُلْتُ : مَا هَذَا ؟ , قَالَا : انْطَلِقْ". ( حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم  ) " قُلْتُ : طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ ، قَالَا : نَعَمْ ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " .  فاحذروا الكذب، واحذروا قول الله تعالى (فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران:61) فقد قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾التوبة 119) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ " رواه أبو داود)
وَمَا شَيْءٌ إِذَا فَكَّــــــرْتَ فِيْهِ*** بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوْءَةِ وَالْجَمَال
مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيْهِ *** وَأَبْعَد بِالْبَهَاءِ مِنَ الرّجَال
كما أن من اشد ما حذر منه الإسلام ونهى عنه ترويج الشائعات والافتراءات؛ فمن ينظر في سطور التاريخ والسير يجد أن تاريخ الشائعات قديم ، دائما من ينشب مخالبها و يروجها هم ضعاف النفوس والمغرضون شرار الناس، إذ أن الأراجيف والشائعات سلاح لا تراه إلا بيد المغرضين، وأصحاب الأهواء، والأعداء، والمنافقين؛ غايتهم منها كسر التآلف والتكاتف وإثارة الأحقاد ونشر الظنون السيئة، وترويج السلبيات بين أبناء المجتمع وخلخلة الصفوف وإضعاف تماسكها والنيل من وحدة أبناء الوطن وإضعاف نموه وقوته، فالشائعات من أكثر ما يضر بأمن واستقرار المجتمعات، فكم أقلقت من أبرياء، وكم هدمت من بيوت وشردت أطفال ،وكم ضيعت من أموال، وكم تسببت في جرائم، وكم فككت علاقات وصداقات، وكم أوهنت من عزيمة وأضعفت من همة؛ ومن ثم كانت دعوة الإسلام إلى حفظ اللسان عن نشر الأخبار الكاذبة وترويجها، ويكفى في ذلك رادعا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" رواه الترمذي وقال حسن صحيح) فنشر الأخبار الكاذبة وإذاعتها مما جاء فيه الوعيد الشديد ولقد قال تعالى ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾الاسراء38) وقال جل وعلا ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )ق18) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ".أخرجه أبو داود ) ويقول أيضا" إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ" رواه أحمد والطبراني)
ولقد وضع الإسلام منهجا حكيما لوقاية المجتمع من خطر الشائعات، ومن اجل ملامحه: وجوب التثبت من الأخبار عند انتشارها في المجتمع  ، قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات6) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم" التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان" رواه البيهقي وأبو يعلى ) وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ -أشجِّ عبد القيس -" إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ " رواه مسلم) كما أن من منهج الإسلام لوقاية المجتمع من خطر الشائعات عدم ترديدها أو إذاعتها والخوض فيها مع الخائضين، لأن في ترديدها انتشارا لها ومساهمة في ترويجها من حيث تدري أو لا تدري، وذلك فيه مساعدة المغرضين بقصد أو بغير قصد، قال الله جل وعلا (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)النور15) ويقول النبى، صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا, وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالَ" رواه مسلم)  ويقول أيضا " بئس مَطِيَّة الرجل:  " زعموا " البخاري في الأدب المفرد وأبو داود) ومن ثم فالواجب على كل مخلص لوطنه أن يحذر الوقوع في مخالب الشائعات؛ فليكن منهجه في حديثه قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه) وليكن منهجه في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6).
المسلمون : لقد جاء الإسلام داعيا إلى كل خير، ناهياً عن كل شر، فأمر بالإصلاح والبناء والتعمير ونهى عن الإفساد والتخريب والتدمير بجميع صوره ،قال تعالى ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)(الأعراف56) وان المتأمل في آيات القرآن الكريم يجد أن آيات الإصلاح والبناء والتعمير كان لها نصيب عظيم، حتى أن كلمة الإصلاح وحدها وردت بمشتقاتها في القرآن الكريم حوالي مائتي مرة, وإن هذا ليدل على عناية الإسلام الفائقة بالإصلاح وانه مطلب شرعي، وضرورة اجتماعية، فلقد ربط القران الكريم بينه و بين الإيمان بالله فقال تعالى (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )(الأنعام48) وربط بينه وبين التقوى فقال تعالى (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )(الأعراف35) كما ربط بينه وبين التوبة ، فقال تعالى (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ )آل عمران89) ولقد جاءت رسُل ربنا عليهم الصلاة والسلام يأمرون بالإصلاح ويدعون إليه ويحثون عليه، ينهون عن الإفساد، ويحذرون منه ، فهذا نبي الله شعيب يلخص رسالته في الإصلاح ، قال تعالى (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) هود88) وهذا نبي الله صالح يقول لقومه (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) الأعراف74) وهذا نبي الله موسى بالإصلاح يخاطب أخاه نبيَّ الله هارون، قال تعالى (َوقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ )(الأعراف142) وها هم الصالحون من قوم قارون يحذرونه من مغبة الفساد( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ في ٱلأرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ )(القصص77) والناظر في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته يجد أن بعثته كانت طريقا ظاهرا جليا للإصلاح ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )الانفال24) وفى مقابل ذلك ترى أن الإسلام قد ذم الاعتداء وترويع الآمنين وإشاعة الفوضى والفساد والتخريب والتدمير، وحذر من ذلك أيما تحذير، ونهى عنه أيما نهى، قال تعالى(وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرّعد 25) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " رواه الترمذي)
ومن ثم فالواجب علينا أن نكون صفا واحدا في وجه دعاة التدمير والتخريب وإشاعة الفوضى ،حفاظا على وطننا ووفاء بحقه، فان الإسلام كما ذم الإفساد حذر من الاستجابة للمفسدين الذين يدعون إلى الهدم والتخريب وإشاعة الفوضى، فقال تعالى (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ )الشعراء151/152) فهم شر البرية وان استتروا في لباس النصح والإصلاح، قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ )البقرة204-206)
(اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب ،
وأحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء)
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس


google-playkhamsatmostaqltradent