خطبة
بعنــــــــوان :
تقديم المصلحة العامة على الخاصة
وأثره على الفرد والمجتمـــــــع
للشيخ/ محمد حســـــن داود
تقديم المصلحة العامة على الخاصة
وأثره على الفرد والمجتمـــــــع
للشيخ/ محمد حســـــن داود
العناصــــــر
:
الإيثار ومكانته، وفضله، ودعوة الإسلام إليه .
تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وأثره على الفرد والمجتمع .
مواقف ونماذج لتقديم المصلحة العامة على الخاصة .
الإيثار ومكانته، وفضله، ودعوة الإسلام إليه .
تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وأثره على الفرد والمجتمع .
مواقف ونماذج لتقديم المصلحة العامة على الخاصة .
الموضـوع: الحمد لله رب
العالمين، القائل في كتابه العزيز(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ
عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)المزمل20)وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف
" مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ " رواه مسلم)
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الإسلام داعيا
إلى أحسن الخلق وأجمل الصفات، حاثا على أنبل القيم وأفضل السمات، ناهيا عن كل ما هو
مذموم من الطباع والعادات؛ ومن القيم النبيلة التي حث عليها الإسلام ودعا إليها
" الإيثار " .
فالإيثار من أحسن الأخلاق
واعلي الصفات، وأنبل القيم والسمات، يتحلى به أصحاب القلوب الطيبة، ويسعى إلى فضله،
وينافس في ثمراته أصحاب الهمم العالية؛ فهو دليل على قوة
الإيمان، والثقة بما عند الرحمن، هو من خصال البر، قال تعالى ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن
تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ
آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء
وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)
البقرة177) هو طريق إلى محبة الله سبحانه وتعالى ورضاه ، قال جل وعلا (إن الأَبْرَارَ
يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا *عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ
اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا *يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ
شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا
وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا
شُكُورًا *إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا *فَوَقَاهُمُ
اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا
صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا )الإنسان 5-12) كما أنه باب إلى محبة الناس، ونشر التعاون
والتالف، ولقد قال الله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
) المائدة2) غير انه يحمل صاحبه إلى غيره من الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة، ويبعده
عن ذميم الأخلاق؛ ففي الإيثار الرحمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول" الرَّاحِمُونَ
يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ "، وفيه السعي لقضاء حوائج الناس، والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول " أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس، ..." رواه الطبراني) وفيه
أعظم الصدقات أجرا، فلما جَاءَ رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟
قَالَ: " أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ
الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا،
وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ" رواه البخاري ومسلم)، وفيه اسمي معاني
الجود والكرم ونبذ البخل وحب الذات، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " السَّخِيُّ
قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ ، قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ ، قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ ، بَعِيدٌ
مِنَ النَّارِ ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ ، بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ ، بَعِيدٌ
مِنَ النَّاسِ ، قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ " رواه الترمذي) وكفى في فضله ثناء الله
على أهله، فهم أهل الفلاح، قال تعالى﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ
حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾الحشر9)
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ
العرفُ بين الله والناسِ
يقول سيدنا سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ " جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِبُرْدَةٍ ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ : أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ ، فَقَالَ الْقَوْمُ
: هِيَ الشَّمْلَةُ ، فَقَالَ سَهْلٌ : هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا
، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْسُوكَ هَذِهِ ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا ، فَرَآهَا عَلَيْهِ
رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا
، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَامَهُ أَصْحَابُهُ ، قَالُوا : مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا
، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ ، فَقَالَ : رَجَوْتُ
بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِّي
أُكَفَّنُ فِيهَا " رواه البخاري)
ولقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي مَجْهُودٌ ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ
نِسَائِهِ ، فَقَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ ،
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى ، فَقَالَتْ : مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ
مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ ، فَقَالَ
: " مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؟ " ، فَقَامَ رَجُلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى
رَحْلِهِ ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ ، قَالَتْ : لَا إِلَّا
قُوتُ صِبْيَانِي ، قَالَ : فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ
السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى
السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ ، قَالَ : فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ ، فَلَمَّا
أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
" قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ "رواه
البخاري ومسلم) وما أروع هذا الإيثار وأجمله إنه إيثار بلغ اعلي الدرجات وأعظمها ؛
عن أبي الجهم بن حذيفة العدويّ، قال " انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ
ابْنَ عَمِّي ، وَمَعِي شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ ، وَإِنَاءٌ ، فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ بِهِ
رَمَقٌ سَقَيْتُهُ مِنَ الْمَاءِ ، وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ ، فَإِذَا أَنَا بِهِ
يَنْشَغُ , فَقُلْتُ لَهُ : أَسْقِيكَ ؟ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ ، فَإِذَا رَجُلٌ ,
يَقُولُ : آهِ ، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ
هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : أَسْقِيكَ
؟ فَسَمِعَ آخَرَ , يَقُولُ : آهِ ، فَأَشَارَ هِشَامٌ أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ
، فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى هِشَامٍ ، فَإِذَا هُوَ
قَدْ مَاتَ ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ عَمِّي ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ " .
جاء عن الحسن البصري رحمه الله ( أنه أدرك أقواماً
يتصدَّقون بنصف أقواتهم الضرورية على مَنْ هم أقلُّ حاجة منهم) إذ إن من اجل وأعظم
وازكي وأطيب سمات المجتمع المتعاون، أن يشعر كل فرد فيه بالآخرين، ويرى قمة سعادته
في راحة بني مجتمعه، فيقدم مصلحتهم على مصلحته، ومنفعتهم على منفعته، ذلك اسمي معاني
الإيثار؛ فإذا كان الإسلام قد دعانا إلى الإيثار على إطلاقه، ورتب عليه الأجر حتى مع
الفرد، فكيف بفضله وعظيم أجره مع المجتمع، وتقديم ما يعود عليه بالنفع والمصلحة؛ معنويا كان أو ماديا كبناء المستشفيات وتجهيزها لعلاج
الفقراء، وبناء المدارس والمعاهد وتجهيزها وصيانتها، إلى غير ذلك من الأمور التي
فيها خدمة المجتمع؛ والله جل وعلا يقول(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا
وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الحج 77) ويقول
جل وعلا (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ
خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)المزمل20) إن إيثار
المجتمع، لهو اعلي وأسمى أنواع الإيثار، فهو من أعمدة بناء المجتمعات وتقدمها
ورقيها والحفاظ عليها، وهو باب عظيم لنشر المودة والمحبة والألفة والطمأنينة بين
أبناء المجتمع، كما انه من أعظم صور التكافل والتراحم، وما أعظم إيثار النبي صلى
الله عليه وسلم أمته بدعوته المستجابة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ
نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ
شَيْئًا " رواه مسلم) وكيف لا يؤثر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بدعوته
المستجابة، والله جل وعلا يقول في حقه ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
الأنبياء107) والنبي صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى الإيثار ونشر التعاون فيقول "
مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ " رواه مسلم ) وعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ ، قَالَ
: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ
عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ
عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ " ، قَالَ : فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا
ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ .رواه مسلم
)
ولقد سطر الصحابة
رضوان الله عليهم بأحرف من نور أروع الأمثلة في إيثار المجتمع وتقديم المصلحة
العامة ، فأنظر إلى الأنصار وإيثارهم للمهاجرين على أنفسهم، فعن انس ابن مالك رضي الله
عنه قال " لمَّا قدِمَ المُهاجِرونَ المدينةَ نَزَلوا على الأنصارِ في دُورِهم،
فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ما رأَيْنا مثلَ قومٍ نزَلْنا عليهم أحسَنَ مُواساةٍ في قليلٍ،
ولا أبذَلَ في كثيرٍ منهم..." وعنه أيضا( انس ابن مالك) قَالَ: " قَدِمَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ
ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ،
قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، " رواه البخاري) ومن ذلك
أيضا ما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :" إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ
إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ ،
جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوه بَيْنَهُمْ
فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُم" رواه البخاري)
وعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ
أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ نَخْلًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ،
وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ:
﴿ لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾آل عمران 92) قَامَ
أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا
البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾آل عمران 92) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي
إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ
اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ
رَايِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ
" قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ
فِي أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ.
لقلد دعا الإسلام إلى تقديم
المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وعظم اجر كل فعل كان فيه مصلحة عامة للمجتمع وأعلى
من شأنه وقيمته ومن ذلك : تعظيم مكانة الصدقة الجارية، لما لها من اثر طيب على
المجتمع، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا
مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو
لَهُ " رواه مسلم) ويقول أيضا "
سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ:
مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهَرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا،
أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ
بَعْدَ مَوْتِهِ " ومن ذلك أيضا تعظيم اجر من سلك طريق العلم، إذ أن العلم من
سبل نهضة المجتمعات وتقدمها ورقيها، ومن ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبى ذر
" ... وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ
لَمْ يُعْمَلْ ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ " ويظهر لنا
الرسول صلى الله عليه وسلم مقام العالم من العابد فيقول " وَفَضْلُ الْعَالِمِ
عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ" وعن أبي أمامة
الباهلي رضي الله عنه قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا : عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي
عَلَى أَدْنَاكُمْ " كما اعلي من قيمة العمل فهو أساس بناء القوة الاقتصادية للمجتمع،
لذلك لما رأى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من يجلس في المسجد بلا عمل توجه إليه قائلا
" لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر
ذهباً ولا فضة " كما اعلي الإسلام من قيمة كل عمل ينتفع به المجتمع حتى وان قل
في نظر العبد ، وتدبر معي هذا الحديث النبوي الشريف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ،
وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ
لَهُ " رواه مسلم)
إن من يتتبع مقاصد الشريعة
الإسلامية،وفقه الأولويات يرى أمثلة كثيرة لتقديم المصلحة العامة على الخاصة، ومن صور
ذلك، ما كان من نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إهدار الماء،أو الإسراف فيه، فإن كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإسراف في الماء إذا استعمل فيما وضع له كالوضوء
، كما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما "أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ
" مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ
" نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ" . فكيف يرضى الإسلام بإهداره
في غير ما وضع له ؟!!.
ومن ذلك أيضا، ما كان من نهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن الاحتكار؛ فالإسلام لا يستكثر على التجار أن تكون لهم تجاراتهم الرابحة؛ ولكنه
جعل لها طرقَها المشروعةَ التي لا يضار بها المجتمع، فان كان في نظر المحتكر أن في
احتكاره زيادة للمال والربح لكنه بذلك في نظر الشرع يضيق على المجتمع ويستغل حاجة الناس،ويقطع
أواصر الألفة والمودة، لهذا ولغيره كان نهى الإسلام عن الاحتكار إذ يقول النبي صلى
الله عليه وسلم " لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ " وما أعظم ما
كان من سيدنا عثمان رضي الله عنه، فعن ابن عباس قال: قحط الناس في زمان أبي بكر، فقال
أبو بكر: لا تمسون حتى يفرج الله عنكم. فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال: قدمت
لعثمان ألف راحلة براً وطعاماً، قال: فغدا التجار على عثمان فقرعوا عليه الباب فخرج
إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيهما على عاتقه فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: قد بلغنا
أنه قد قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم
عثمان: ادخلوا. فدخلوا فإذا ألف وقر قد صب في دار عثمان، فقال لهم: كم تربحوني على
شرائي من الشام؟ قالوا العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر،
قال: قد زادوني. قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار
المدينة؟ قال: زادني بكل درهم عشرة، عندكم زيادة؟ قالوا: لا!! قال: فأشهدكم معشر التجار
أنها صدقة على فقراء المدينة قال عبد الله بن عباس: فبت ليلتي فإذا أنا برسول الله
صلى الله عليه وسلم في منامي وهو على برذون أشهب يستعجل؛ وعليه حلة من نور؛ وبيده قضيب
من نور؛ وعليه نعلان شراكهما من نور، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد طال
شوقي إليك، فقال صلى الله عليه وسلم: إني مبادر لأن عثمان تصدق بألف راحلة، وإن الله
تعالى قد قبلها منه وزوجه بها عروسا في الجنة، وأنا ذاهب إلى عرس عثمان.”( الرياض النضرة
في مناقب العشرة للمحب الطبري).
( الدعــــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومدرس
===== كتبه =====
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومدرس