recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : الضوابط الشرعية للإنجاب وحق الطفل في الرعاية والنشأة الكريمة - للشيخ / محمد حســـــن داود


خطبة بعنوان :
الضوابط الشرعية للإنجاب
وحق الطفل في الرعاية والنشأة الكريمة
 للشيخ / محمد حســـــن داود


ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة :  pdf    اضغط هنا  
العناصــــــر :
من رعاية الإسلام للطفل قبل الإنجاب .
من رعاية الإسلام للطفل وحقوقه بعد الإنجاب .
تصحيح المفاهيم الخاطئة بشأن تنظيم الإنجاب واثاره .
دعوة إلى الاهتمام بحقوق الطفل ورعايته .
الموضـوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) الشورى49/50)وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ " رواه أبو داود والنسائي في السنن الكبرى واللفظ له)اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لما كانت مرحلة الطفولة، مرحلة أساسية في بناء شخصية وسلوك الفرد، الذي بدوره هو جزء من المجتمع، كان اهتمام الإسلام بأمرها اهتماما بالغا، فمع أن الأبناء هم زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وبهجة النفوس وقرة الأعين، إذ يقول الله جل وعلا (لْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا )الكهف46)  هم أيضا جيل الغد و رجال المستقبل  .
ومن ثم كان اهتمام الإسلام بالطفل، حتى وضع الضوابط والتوجيهات التي على أثرها ينال الطفل حقه في الرعاية والنشأة الكريمة؛ ومن ذلك: اشتراط الباءة في النكاح، فعن ابن مسعود قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) والباءة بجانب القدرة على الإنجاب هي مؤن النكاح و القدرة على بناء أسرة مستقرة، ويوضح ذلك قول الله جل وعلا ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾النور 33) وأيضا ما كان من دعوة النبي غير المستطيع إلى الصيام، فلو وقف الأمر على عدم القدرة الجسدية فحسب، ما دعاه النبي إلى الصيام، وفى هذا توجيه أن الزواج ليس مجرد عقد، وإنما هو مسئولية وتكليف .
ولما كان الدور الأكبر في الرعاية والنشأة الطيبة، يتمثَّل في دور الوالدين، فقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة في الأساس بزوج تقيٍّ وزوجة صالحة، فعن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال" تَخَيَّروا لِنُطَفِكُم" رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي) ومن ذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة التي بدورها ستكون مدرسة طيبة للطفل ينهل منها حسن الأخلاق وطيب الصفات، فقال صلى الله عليه وسلم "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" رواه البخاري ومسلم) قال احد الحكماء لبنيه "لقد أحسنتُ إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تُسَبُّون بها". وكذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة باختيار زوجها على نفس المعيار والأساس؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ "رواه الترمذي) ولا ريب في أن هذا الاختيار وذاك الأساس من شأنه أن يعود بالتربية الحسنة واكتساب الأخلاق الحميدة من الأبوين، لما للوالدين من تأثير على أخلاق الطفل وسلوكه، ومما يزيد هذا الكلام قيمة بيان ربنا في القرآن الكريم أن الذرية لها تأثر كبير بآبائها، يقول الحق سبحانه ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )آل عمران34).
كما أن من صور رعاية الطفل: إتمام الرضاعة حولين كاملين، قال تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) البقرة233) ولقد أثبتت البحوث الصحية والنفسية في الوقت الحاضر أن فترة عامين ضرورية لنمو الطفل نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية، فمع أن إرضاع الأم للطفل غذاء ، إلا انه يكون ممزوجا بعطفها وحنانها ودفء أحضانها، وفي ذلك غذاء عاطفي رفيع؛ الحاجة إليه ليست أقل من الحاجة إلى الطعام والشراب .
كذلك من مظاهر رعاية الطفل: تسميته باسم حسن ،فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ " رواه أبو داود ) فلقد حث الإسلام على انتقاء الأسماء الطيبة للأطفال ولعل من جوانب العلة في ذلك؛ مراعاة الجانب النفسي عند الطفل ،وهذا الجانب يمثل أساسا من أهم الأسس التي تبنى شخصية الفرد من طفولته ويظهر هذا جليا فيما روى أن عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه " جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن )، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء )، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً 0 فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك " إذ أن الطفل يتأثر نفسياً باسمه وكنيته، وتتأثر رؤيته لنفسه بذلك، فنجد بعض الأطفال يعانون من أسمائهم؛ لأنها تحمل معان سيئة، فتسبب لهم حرجاً عظيماً، بينما لو منحه أبواه اسماً جميلاً، ذا معنى ومغزى، انعكس ذلك عليه بهجة وسعادة، و في الغالب أيضا سعيا إلى الصفات الحميدة التي يحملها هذا الاسم ؛ ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الأسماء الجميلة، ويبدل غيرها ؛ فغير اسم عاصية :وقال أنت جميلة، وسمى حربا:- سلماً، وشعب الضلالة:- سماه شعب الهدى، ولما رأى سهيل بن عمرو مقبلاً يوم صلح الحديبية قال سهل أمركم؛ وفي البخاري عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ:" أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ ، قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ". كما روي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِرَجُلٍ: " مَا اسْمُكَ" ؟ قَالَ: جَمْرَةُ، قَالَ: " ابْنُ مَنْ؟ " قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: " مِمَّنْ؟ " قَالَ: مِنَ الْحِرْقَةِ، قَالَ: " أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ " ، قَالَ: بحِرَّةِ النَّارِ. قَالَ: " بِأَيِّهَا " ؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، قَالَ عُمَرُ: " أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا" ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ أَهْلَهُ قَدِ احْتَرَقُوا.
ومن صور رعاية الطفل نفسيا ووجدانيا؛ الإحسان والرحمة وإدخال السرور عليه وعدم الغلظة معه, فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يَا عَائِشَةُ : " إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُك الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ " رواه مسلم) ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن إلى الأطفال ويرفق بهم فعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قال : " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ , إِذْ أَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلَام , عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ وَحَمَلَهُمَا , فَقَالَ : " صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ سورة التغابن آية 15 " رَأَيْتُ هَذَيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فِي قَمِيصَيْهِمَا , فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى نَزَلْتُ فَحَمَلْتُهُمَا " رواه النسائي )وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ ، أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُقَبِّلُ الْحَسَنَ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ ، لَا يُرْحَمْ " رواه مسلم) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ ،فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ " رواه البخاري)
كذلك من مظاهر عناية الإسلام بالطفل وجدانيا ومعنويا: نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد، فعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تبارك وتعالى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ " رواه ابو داود) بل كان أنبياء الله وخيرته من خلقه يسألون الله لذريتهم الصلاح والهداية، قال تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم عليه السلام،(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)إبراهيم40)كما أن من صفات عباد الرحمن كما ذكرها الله تعالى فى سورة الفرقان أنهم يتوجهون إلى الله في دعائهم أن يرزقهم صلاح الذرية التي تقر بها أعينهم وتدخل السرور على نفوسهم قال تعالى ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان 74) وها هو الرجل الصالح الذي أنعم الله عليه بنعمه، يتذكر نعم الله عليه، ويقول شاكرا لنعم الله، وأفضاله ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} الأحقاف 15)
كذلك من مظاهر عناية الإسلام بالطفل رعايته سلوكيا واجتماعيا؛ فعلى الوالدين غرس المثُل الطيبة والقيم النبيلة في نفوس الأبناء، وتأصيل الأخلاق الحميدة التي جاء بها ديننا الحنيف، فهناك فرق كبير بين من يغرس في ولده مسئولية خدمة المجتمع،  والتضحية من اجل الوطن ، ونشر المحبة والود والرحمة والسلام، ومن يغرس عكسه من حب المنكرات وإشاعتها والله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)التحريم6)وان الناظر في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم يرى مدى اهتمامه بتوجيه الأطفال وتربيتهم على الأخلاق والقيم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟". قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ "رواه أبو داود) كما وضع النبي صلى الله عليه وسلم أسسا تقام عليها تربية الطفل وهذا يظهر جليا في أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ، فمن وصاياه في تربية الصغار، تعويدهم على الصلاة لتتعلق قلوبهم بفرائض الله تعالى وليحرصوا على طهارة القلب والبدن ، وفي ذلك يقول الرّسول صلى الله عليه وسلم: " مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ "رواه أبو داود )كما كان صلى الله عليه وسلم لا يترك فرصة أو موقفا، تهيأ الصغير فيه إلى تعليم أو تأديب، إلا وجهه برفق وحب، فعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. رواه البخاري)
و من الأمور الهامة التي أكد النبي صلى الله عليه وسلم عليها، العدل والتسوية بين الأولاد، فحذر الآباء من إثارة الغيرة بين الأبناء، بتفضيل بعضهم على بعض، بأي صورة من صور التفضيل المادي أو المعنوي، لما في ذلك من أثر سيء على الطفل فحينما أراد احد الصحابة، أن يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هبة لأحد أولاده، فترى كيف كان رد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ : انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي ، فَقَالَ : أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي " ثُمَّ قَالَ : " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً " قَالَ : بَلَى . قَالَ : " فَلا إِذًا " رواه مسلم) ومن العدل والمساواة أيضا عدم التفريق بين الذكور والإناث في المعاملة ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ وُلِدَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ - يَعْنِي الذَّكَرَ - عَلَيْهَا ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ " مستدرك الحاكم) وعن أَنس رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: "مَنْ عَالَ جَارِيتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ أَنَا وَهُو كَهَاتَيْنِ" وَضَمَّ أَصَابِعَهُ" رواه مسلم)
إن من اجل مظاهر رعاية الطفل التفقه في الضوابط الشرعية للإنجاب، وتصحيح المفاهيم الخاطئة بشأن تنظيم النسل ، فالطفل في جميع مراحل حياته يحتاج إلى الكثير من العناية والاهتمام خاصة في فترة الرضاعة وإذا كان من حق الطفل إكمال مدة الرضاعة حولين كاملين دون أن يزاحمه في هذا الحق آخر، لكمال نموه نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية، فلاشك أن تتابع الحمل وعدم تنظيم الإنجاب فيه جور على هذا الحق؛ ولقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه العزل؛ فعن ‏جَابِرٍ ‏قَالَ ‏" ‏كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ " (زَادَ ‏‏إِسْحَقُ ‏قَالَ ‏سُفْيَانُ ‏: ‏لَوْ كَانَ شَيْئًا ‏‏يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ)
يقول تعالى ( لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) الشورى49/50) والولد إنما يكون هدية وهبة تقر بها عين والديه إذا عاش سعيدا في حياته، معافى في بدنه، مستقيما في سلوكه، ناضجا في تفكيره، بصيرا بشئون دنياه ودينه، ولن يكون ذلك إلا بالاهتمام وحسن الرعاية خاصة في الفترة الأولى من حياته، ولعل هذا لن يتحقق على الوجه الأكمل مع تتابع الولادات، فالأبناء أمانة ومسئولية وجب رعايتها حق الرعاية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ : أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ " رواه ابن حبان) ويقول صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ " رواه أبو داود والنسائي في السنن الكبرى واللفظ له) وان من الإضاعة إهمال التربية الخلقية والاجتماعية، إذ أن الواجب على الآباء أن يحسنوا تربية الأبناء دينيا، وعلميا، وخلقيا، وان يوفروا لهم ما هم في حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية، وإننا إذا نظرنا إلى قضية الرعاية والتربية ، سنجدها في زماننا هذا تتطلب جهداً كبيراً من الأبوين لكثرة المغريات ، ولا شك أن على هذا الحال تتابع الولادات يكون فيه إهمال لحقّ الطفل في التعليم والتثقيف والرعاية .
كما أن رعاية الطفل مالياً وتأمين احتياجاته المادية تمثّل حقاً من حقوقه التي كفلها له الإسلام ،والإضاعة كما تكون في  إهمال التربية على القيم والأخلاق تكون أيضا بعدم الإنفاق المادي، والذي منه الدواء والمسكن والملبس والمأكل والتعليم، الخ؛ ولقد روى عن ابن عمر،أنه فسر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ " بأنه ( كَثْرَةُ الْعِيَالِ مَعَ قِلَّةِ الشَّيْءِ ) ويروي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه حين فتح مصر قال في خطبته لأهلها " يا معشر الناس إياكم وخلالاً أربعًا فإنها تدعوا إلى النصب بعد الراحة وإلى الضيق بعد السعة وإلى المذلة بعد العزة ، إياكم وكثرة العيال ، وإخفاض الحال وتضييع المال والقيل بعد القال في غير درك ولا نوال "
 ولعل في هذا إيضاح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ " حيث أن المباهاة في الحديث ليست بالكثرة المستهلكة الضعيفة التي تصبح عالة على الآخرين في الطعام والكساء والدواء، تعانى الفقر والمرض فهذه كثرة سلبية تضر ولا تنفع وتفسد ولا تصلح ، تهدم ولا تبنى، عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، بغثاء السيل في قوله" يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ".وإنما المباهاة في الحديث تكون بالكثرة القوية المؤمنة الصالحة النافعة العاملة المنتجة الملتزمة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ..." رواه مسلم ) ولعل هذا هو فهم سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عندما قال لأصحابه : تَمَنَّوْا ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءُ هَذَا الْبَيْتِ دَرَاهِمَ ، فَأُنْفِقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ : تَمَنَّوْا فَقَالَ أَحَدُهُمْ : أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءُ هَذَا الْبَيْتِ ذَهَبًا ، فَأُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : تَمَنَّوْا قَالَ آخَرُ : أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءُ هَذَا الْبَيْتِ جَوْهَرًا - أَوْ نَحْوَهُ - فَأُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . فَقَالَ عُمَرُ : تَمَنَّوْا . فَقَالَ : مَا تَمَنَّيْنَا بَعْدَ هَذَا قَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءُ هَذَا الْبَيْتِ رِجَالا ، مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، فَأَسْتَعْمِلَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ .، فلما تمنى عمر رجالا ، لم يتمانهم على وهن أو ضعف بلا قيمة ولا ووزن بل تمنى أن يكونوا أقوياء في خدمة دينهم ووطنهم أمثال من ذكرهم، وان من ينظر في القرآن الكريم يرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حينما طلبوا الذرية لم يطلبوا مطلق الذرية، ولكنهم طلبوا الذرية الصالحة،ولا شك أن من صلاحهم خدمة دينهم ووطنهم والتقدم بمجتمعهم  فجاء عن سيدنا إبراهيم قوله ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الصافات 100)وعن سيدنا ذكريا قوله ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ آل عمران 38). 
إن الأبناء أمانة فحافظوا عليها وقوموا على حقها بالرعاية، و اعلموا إنكم مسئولون عنهم يوم القيامة، إمام الله عز وجل، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" متفق عليه) 

===== كتبه =====
محمد حســــــــن داود

إمام وخطيب ومدرس
 
google-playkhamsatmostaqltradent