خطبة بعنــــــــوان :
قضاء حوائج النــــــــاس والمجتمع
أولى من حج النافلة وتكرار العمرة
للشيخ / محمد حســــــن داود
قضاء حوائج النــــــــاس والمجتمع
أولى من حج النافلة وتكرار العمرة
للشيخ / محمد حســــــن داود
العناصـــــــــــر
:
1 - الحج بين الفرض والتيسير .
2 - قضاء حوائج الناس أولى من تكرار الحج والعمرة .
3 - من فضائل قضاء حوائج الناس والمجتمع .
4 - دعوة إلى قضاء حوائج الناس والمجتمع .
1 - الحج بين الفرض والتيسير .
2 - قضاء حوائج الناس أولى من تكرار الحج والعمرة .
3 - من فضائل قضاء حوائج الناس والمجتمع .
4 - دعوة إلى قضاء حوائج الناس والمجتمع .
الموضـــــوع: الحمد لله رب
العالمين، القائل في كتابه العزيز﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
)الحج77) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده
ورسوله، القائل في حديثه الشريف " أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس،
..." رواه الطبراني) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين، وبعد
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الكعبة مقصد الملايين من المسلمين
،يقصدونها كل عام من كل فج عميق، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وألوانهم، لأداء فريضة
الحج قال تعالى ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ
ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ الحج27) فالحج ركن من أركان الإسلام،
وأحد قواعده، له من الفضائل ما لا يحصى ولا يحصر،فهو من أفضل الأعمال، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ ، أَيُّ
الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا
؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : حَجٌّ
مَبْرُورٌ " رواه البخاري) والحج باب لمغفرة الذنوب فعن أبي هريرة قالَ: سَمِعْتُ
رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقولُ
" منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ"
متفقٌ عَلَيْهِ)،وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه انه قال " فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ
الإِسْلَامَ فِي قَلْبِي ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ ، قَالَ : فَقَبَضْتُ
يَدِي ، قَالَ : مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ
، قَالَ : تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟ قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ
" أَنَّ الإِسْلَامَ يَهْدِمُ ، مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ
مَا كَانَ قَبْلِهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ " رواه البخاري)
غير أن أعمال الحجاج كلها حسنات ودرجات ففي كل خطوة يخطوها المحرم له بها أجر ، فعن
ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما تَرفعُ إبلُ الحاجِّ رِجلًا ، ولا
تضعُ يدًا ؛ إلا كتب اللهُ له بها حسنةً ، أو محا عنه سيئةً ، أو رفعه بها درجةً
" .
والحج عبادة كغيرها من العبادات، يظهر فيها التيسير ورفع
الحرج وسماحة الإسلام، في أجمل صورها وأطيبها وأزكاها؛ فمع أن الحج ركن من أركان الإسلام
وفرض من فرائضه؛ إلا أن الله تبارك وتعالى قد شرط لفرضيته على العبد الاستطاعة، قال
تبارك وتعالي ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )آل عمران 97)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ
الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا " رواه مسلم) بل ومن رحمة الله
تعالى أن فرضه على المستطيع مرة واحدة، وما زاده العبد عنها كان تطوعا، فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ
أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا
اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا
أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ
شَيْءٍ فَدَعُوهُ " رواه مسلم) وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ
سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ؟ قَالَ " بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً
، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ " رواه أبو داود)
لكن الناظر في أحوال كثير من الناس، يجد أن البعض يتهافتون
على التطوع بالحج والعمرة مرارا وتكرارا طمعا في الأجر والفضل، إلا أن ضرورة ترتيب
الأولويات وفقهها، يقول مع وجود فقير لا يجد قوت يومه، ومريض لا يجد ما يتداوى به،
ومدين لا يجد ما يسد دينه، و يتيم لا يجد من يكفله ،ومكروب لا يجد من ينفس كربته؛ أن
إطعام الجوعى وكساء العراة وكفالة اليتيم وتفريج كرب المكروب والمساهمة في إنشاء المدارس
والمستشفيات وغيرها مما يوفر حياة كريمة للناس، ويساعد على تقدم مجتمعهم أولى من حج
النافلة وتكرار العمرة؛ و قيل لبشر الحافي " إن فلانا الغنى كثر صومه وصلاته،
فقال( انه لمسكين لقد ترك حاله ودخل في حال غيره، إن واجبه إطعام الطعام وبناء
الخيام، فهذا أفضل من تجويعه لنفسه وجمعه للدنيا وتركه للفقراء)
إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال في الحديث الذي
ذكرنا أن من أحب الأعمال "حج مبرور" ؛ فهو صلى الله عليه وسلم القائل
" أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه
على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً
ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا
ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه
ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ
له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ
" رواه الطبراني ) وعن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ" ذُكِرَ لِي أَنَّ الْأَعْمَالَ تَبَاهِي فَتَقُولُ
الصَّدَقَةُ: أَنَا أَفْضَلُكُمْ". وكما
قال صلى الله عليه وسلم في فضل تكرار الحج و التنقل بالعمرة انه ينفى الفقر والذنوب؛
كما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ
الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ،
وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ" رواه احمد والترمذي
وغيرها). فهو صلى الله عليه وسلم من نفى كمال الإيمان عن من ترك جاره جوعان وهو يعلم؛
فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا آمَنَ
بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ
" رواه الطبراني) كما أن قضاء حوائج الناس باب عظيم لمغفرة الذنوب ونفى الفقر؛
فقال تعالى (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )البقرة271) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " وَالصَّدَقَةُ
تُطْفِئُ الْخَطِيئَةِ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ "(سنن ابن ماجه) وعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ
يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ
الْآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " رواه البخاري ومسلم)
كما أن الشريعة الإسلامية دائما ما تدعونا للصلة والبر والإحسان
،وليس من البر أن تترك المستشفيات والمدارس والطرق وغيرها مما يخدم الناس في مجتمعهم،
وتترك الآباء والأمهات وذوى الأرحام، واليتامى والأرامل والمرضى ومن يعجزون عن كسب
لقمة العيش يتكففون الناس في الطرقات ويطرقون الأبواب، ثم ترى المستطيع يمنع هؤلاء
العون والمودة والرحمة لينفق أمواله تطوعا بالحج ، إذا فأين بر الوالدين والله تعالى
يقول (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) وأين صلة الأرحام والرسول يقول عنها"
فَمَنْ وصَلَهَا ، وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ "، وأين
حسن الجوار والرسول يقول " وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ"
، وأين المودة والمحبة والألفة والتكافل والتراحم والتعاون، والله جل وعلا يقول (إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات10) ويقول جل وعلا ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة 2)
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ
يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وشبك بين أصابعه " متفق عليه) وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ،
مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ
وَالْحُمَّى " رواه مسلم) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ : يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي . قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ
أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيَقُولُ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا
مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، وَلَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ وَيَقُولُ : يَا
ابْنَ آدَمَ ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي . فَيَقُولُ : كَيْفَ أُطْعِمُكَ
وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيَقُولُ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَطْعَمَكَ
فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي
؟ وَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي . فَيَقُولُ : أَيْ
رَبِّ ، وَكَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ ؟ فَيَقُولُ : أَمَا عَلِمْتَ
أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَسْقَاكَ فَلَمْ تَسْقِهِ ، وَلَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ
ذَلِكَ عِنْدِي ؟ " رواه مسلم)
كما لاشك أن الفقير عندما يرى الغني يترك باب الفقير فلا
يطرقه بالخير، وباب المكروب فلا يطرقه بالعون، وباب ما ينفع المجتمع فلا يطرقه بالخدمة
والمساهمة، ويطرق باب التنفل بالحج والعمرة، فلا شك انه حينئذ قد ينظر إليه نظرة حقد
وحسد وضغينة .
اقض الحوائج ما استطعـت *** وكــــن لهمِ أخيك فارج
فــــلخـــــــير أيام الفــــــتى *** يوم قضى فيه الحوائج
إن قضاء حوائج الناس من أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم،
ولقد قال الله تعالى ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الاحزاب21) فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً
كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ
حَاجَةً ، فَقَالَ : يَا أُمَّ فُلاَنٍ ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ ، حَتَّى
أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، حَتَّى فَرَغَتْ
مِنْ حَاجَتِهَا" . وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:كَانَتِ الصَّلاَةُ تُقَامُ
، فَيُكَلِّمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ فِي حَاجَةٍ تَكُونُ لَهُ ،
فَيَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ، فَمَا يَزَالُ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ ، فَرُبَّمَا
رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ لَيَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم لَهُ" رواه احمد والترمذي) كما حث المصطفى صلى الله عليه وسلم على هذه القيمة
النبيلة ودعا إليها ؛ فهو صلى الله عليه وسلم، القائل فى حديثه " مَنِ اسْتَطَاعَ
مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ "رواه مسلم) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ يَصْرِفُ
بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ
، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ
" ، قَالَ : فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ
لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ .رواه مسلم ) وروى البخاري ومسلم، مِن حَدِيثِ
سَعِيدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه
وسلم قَالَ: "كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ
فِيهِ الشَّمْسُ قَالَ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ
فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ،
وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ
صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ"
وعلى هذا الخلق الطيب والقيمة النبيلة، سار الصحابة والصالحون؛
ورضي الله عن عثمان ابن عفان، فلقد اشترى بئر رومة من صلب ماله، وهذا عمر ابن
الخطاب، يقول الأوزاعي " إن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل،
فرآه طلحة بن عبيد الله، فذهب عمر، فدخل بيتًا، ثم دخل بيتًا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب
إلى ذلك البيت، فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه
يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى" حلية الأولياء) وعن
مالك بن دينار رحمه الله: بعث الحسن البصري محمد بن نوح، وحميدًا الطويل في حاجة لأخٍ
له، وقال: مروا بثابت ألبناني، فأشْخِصانه - (أي: فليذهب) - معكم، فأْتِيَا ثابتًا،
فقال لهم ثابت: إني معتكف، فرجع حميد إلى الحسن، فأخبره بالذي قال ثابت، فقال له: ارجعْ
إليه، فقل له: يا أعمش، أما تعلم أنَّ مشيك في حاجة أخيك المسلم خيرٌ لك مِن حجة بعد
حجة، فقام وذهب معهم، وترك الاعتكاف) البر والصلة لابن الجوزي)، (وفي البداية والنهاية
لابن كثير)خرج عبد الله بن المبارك رحمه الله مرةً إلى الحج، فاجتاز ببعض البلاد، فمات
طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة
إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت، فكشف عن أمرها وفحص،
حتى سألها، فقالت: أنا وأختي ها هنا، ليس لنا شيء، وقد حلَّت لنا الميتة، وكان أبونا
له مال عظيم، فظُلِم وأُخِذ ماله وقُتِل، فأمر عبد الله بن المبارك برد الأحمال، وقال
لوكيله: كم معك من النفقة؟ فقال: ألف دينار، فقال: عد منها عشرين دينارًا تكفينا إلى
مرو، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع؛ (البداية والنهاية؛ لابن
كثير).
غير أن قضاء حوائج الناس له فضائل عظيمة وثمرات كريمة، فهو
من أعظم أبواب الخير، والله جل وعلا يقول (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)الحج77)
وفيه الوقاية من ميتة السوء " فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّ
صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ " رواه الطبراني) وفيه تعظيم
الأجور، فعن الْبَرَاءَ بنَ عَازِبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
"مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ، أَوْ هَدَى زُقَاقَاً كَانَ لَهُ
مِثْلُ عِتْقِ رَقَبَةٍ" رواه الترمذي) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ
إِلَّا الطَّيِّبَ , وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا
لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ
" رواه البخاري) وكفى في فضله انه طريق إلى الجنة ونعيمها، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَيُّمَا مُؤْمِنٍ
أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ
الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى
عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ "رواه الترمذي)
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
إن الساعي لقضاء حوائج الناس والمجتمع؛ موعود بالإعانة ،
مؤيد بالتوفيق؛ والجزاء من جنس العمل فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً
مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ
فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ " رواه مسلم ) قال
ابن عباس رضي الله عنه " صاحب المعروف
لا يقع فإن وقع وجد متكئاً ". فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير، ومغلاقا للشر،
طوبى لمن حفظ نعم الله فقام على حقها و ما بخل بها ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنَ النَّاسِ
مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ
مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى
يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ
" رواه ابن ماجه)
روى أن رجلاً جاء يودع بشر بن الحارث ، وقال : قد عزمت على
الحج فتأمرني بشئ ؟ فقال له : كم أعددت للنفقة
؟ فقال : ألفى درهم .
قال بشر : فأي شئ تبتغى بحجك ؟ تزهدا أو اشتياقا إلى البيت
وابتغاء مرضاة الله ؟ قال : ابتغاء مرضاة الله ، قال نعم .
قال بشر : فإن أصبت مرضاة الله تعالى ، وأنت في منزلك وتنفق
ألفى درهم ، وتكون على يقين من مرضاة الله تعالى : أتفعل ذلك ؟ قال : نعم
قال : اذهب فأعطها عشرة أنفس : مديون يقضى دينه ، وفقير يرم
شعثه ، ومعيل يغنى عياله ، ومربى يتيم يفرحه ، وإن قوى قلبك تعطيها واحدا فأفعل ، فإن
إدخالك السرور على قلب المسلم ، وإغاثة اللهفان ، وكشف الضر ، وإعانة الضعيف : أفضل
من مائة حجة بعد حجة الإسلام ! قم فأخرجها كما أمرناك ، وإلا فقل لنا ما في قلبك ؟
فقال : يا أبا نصر ! سفري أقوى في قلبي . فتبسم بشر رحمه
الله ، وأقبل عليه ، وقال له : المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس
أن تقضى به وطراً ، فأظهرت الأعمال الصالحات ، وقد آل الله على نفسه أن لا يقبل إلا
عمل المتقين !
ﺻﻨﻊُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞِ ﻭَﻓﻌﻞُ ﺍﻟﺨﻴــﺮِ ﺇِﻥْ ﺃُﺛِﺮﺍ *** ﺃﺑﻘﻰ ﻭَﺃَﺣﻤﺪ ﺃَﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺃَﺛــــــَﺮﺍ
ﺑَﻞْ ﻟﺴﺖُ ﺃَﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺳﻮﻯ *** ﻋــــﻦ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒِ ﻭﺇﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺜﺮﺍ
ﺇِﻥْ ﻛــــــﺎﻥ ﻗﻠﺒﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻔﻪ ﻋﺎﻃﻔﺔٌ *** ﻋَﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻓﺎﺳﺘﺒﺪﻝْ ﺑﻪ ﺣﺠﺮﺍ
( الدعـــــــــــــاء )
====== كتبه
======
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومدرس