recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان : التأسي بأخلاق الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) للشيــــخ / محمد حسـن داود


خطبة بعنـــــوان :
التأسي بأخلاق الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
للشيــــخ / محمد حســـــــــــن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا


الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )الأحزاب21) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ " رواه أحمد) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد كانت كل جوانب حياة النبي صلى الله عليه وسلم مشرقة عظيمة، وكان في كل جانب مثلا أعلى، وأسوة حسنة، فلقد اتصف صلى الله عليه وسلم، بأنبل الصفات، وأجمل الخصال، وأحسن الأخلاق، قال تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )القلم4) و لما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلُقه، صلى الله عليه وسلم قالت " كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ "
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ *** ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم؛ أرجح الناس عقلا، وأكثرهم أدبا، وأوفرهم حلما، وأكملهم قوة وشجاعة وشفقة، وأكرمهم نفسا؛ أكمل الناس خَلقا وخُلقا، وأعظمهم إنسانية ورحمة، عرف بأحسن الخصال، وأسمى القيم، وأعظم المبادئ و أطيب الأخلاق؛  فكان صلى الله عليه وسلم :
- أكثر الناس تواضعا، فعنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ، فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ، فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ ، قَالَ : فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا مِنْ طِينٍ ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ "رواه أبو داود) فتراه دائما مع الناس، في أفراحهم وأتراحهم، في قوتهم وضعفهم، يشهد جنائزهم ويعود مرضاهم، فعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ" يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ "مستدرك الحاكم)لا يأنف أن يسلم على الصغار، فعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ" متفقٌ عليه ) لا يستنكف صلى الله عليه وسلم أن يمشى في حاجة الفقير، والمسكين، وذا الحاجة، فعنْ أَنَسٍ "أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً،" فَقَالَ يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا " رواه مسلم ) ويقول عبد الله بن أبي أوفى، أن النبي صلى الله عليه وسلم " لا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ " رواه النسائي ) وهذا مما دعانا إليه صلى الله عليه وسلم وأكد عليه، فقال صلى الله عليه وسلم " ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ " رواه مسلم) ويقول صلى الله عليه وسلم" إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ " رواه مسلم) وعن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: " لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ " فقال رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حسناً، ونعلهُ حسنا قال: " إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ " رواه مسلم) .
- الين الناس كلاما، وأحسنهم قولا، وأجملهم حديثا؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا " رواه البخاري) ولما سئلت السيدة عائشة عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت " لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ " رواه الترمذي)وهذا مما أكد عليه القران وأكدت عليه السنة النبوية فقد قال الله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) ويقول صلى الله عليه وسلم  " إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ " .
- أجود الناس وأكرم الناس؛ بل كان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة؛ إن أرسلت إليه صدقة، كانت للفقراء، وإن أهديت إليه هدية أشركهم فيها، لا يبخل بمال ولا طعام، بل يشاركهم طعامه، فعن جابر بن عبد الله ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا فِي دَارِي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ ، فَدَخَلَ ثُمَّ أَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : " هَلْ مِنْ غَدَاءٍ ؟ " ، فَقَالُوا : نَعَمْ ، فَأُتِيَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَأَخَذَ قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْنِ ، فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : " هَلْ مِنْ أُدُمٍ ؟ " ، قَالُوا : لَا إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ ، قَالَ : " هَاتُوهُ فَنِعْمَ الْأُدُمُ هُوَ " رواه مسلم) عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ " قَالَتْ : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا ، قَالَ : " بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا " رواه الترمذي وقال حديث صَحِيح) ولما جاءه رجل يسأله، فأعطاه غنما سدّت ما بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال: أسلموا، فإنّ محمّدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.  بل كان يؤثر المحتاج على نفسه، ويعطيه العطاء وإن كان في حاجة إليه، فعَنْ سَهْلٍ ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا ، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ ؟ , قَالُوا : الشَّمْلَةُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَتْ : نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ , فَقَالَ : اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا ؟ , قَالَ : الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي ؟ " قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ" رواه البخاري) ومن ينظر القران والسنة يجد الدعوة إلى الجود والكرم والإنفاق والصدقة ، كما يجد اثر هذا الخلق الطيب إذ يقول الله جل وعلا (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )البقرة272) ويقول صلى الله عليه وسلم " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ". وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " رواه البخاري )
- كان اصدق الناس حديثا وأكثرهم أمانة، شهد بذلك العدو والصديق؛ فلما سأل هرقل - ملك الروم - أبا سفيان قبل إسلامه قائلا: "هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قال: لا، فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله" رواه البخاري) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلْدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ ، لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ ، قُلْتُمْ : سَاحِرٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ ، قَدْ رَأَيْنَا السَّحَرَةَ وَنَفْثَهُمْ وَعَقْدَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : كَاهِنٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، قَدْ رَأَيْنَا الْكَهَنَةَ وَحَالَهُمْ ، وَسَمِعْنَا سَجْعَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : شَاعِرٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ : لَقَدْ رَأَيْنَا الشِّعْرَ وَسَمِعْنَا أَصْنَافَهُ كُلَّهَا هَزَجَهُ ، وَرَجَزَهُ وَقَرِيضَهُ ، وَقُلْتُمْ : مَجْنُونٌ ، وَلا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلا وَسْوَسَتِهِ وَلا تَخْلِيطِهِ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، انْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ ، وَكَانَ النَّضْرُ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَمِمَّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ " .
شهد الأنام بفضله حتى العدا *** والفضل ما شهدت به الأعداء
وها هي القبائل من قريش بدأت بناء الكعبة، حتى بلغ البنيان موضع الركن - الحجر الأسود - اختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون القبيلة الأخرى حتى تخالفوا وأعدوا للقتال، فمكثت قريش على ذلك أربع ليالي أو خمسا، ثم تشاوروا في الأمر، فأشار أحدهم بأن يكون أول من يدخل من باب المسجد هو الذي يقضي بينهم في هذا الأمر، ففعلوا، فكان أول من دخل عليهم رسول الله، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال صلى الله عليه وسلم "هلم إلي ثوبا، فأتي به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كلُّ قبيلة بناحية مِن الثَّوب، ثمَّ ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثمَّ بني عليه" السيرة النبوية لابن هشام ) ولا شك أن قبول قريش لتحكيمه يدل على مدى معرفتهم بأخلاقه صلى الله عليه وسلم. وها هو صلى الله عليه وسلم، يأتيه الأمر بالهجرة  فيوصى عليا رضي الله عنه ببقائه في مكة ليرد الأمانات التي كانت عنده صلى الله عليه وسلم لأهل مكة. ولان مقام الأمانة عظيم ودرجتها عالية فلقد أكد عليها القران والسنة في غير موضع فقال الله جل وعلا (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) النساء58) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " وما زال الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على الامانة حتى قال" لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ " رواه احمد)
- يحفظ المعروف، ويعرف لكل ذي فضل فضله، إذ يقول عن أم المؤمنين خديجة " مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ"رواه احمد). ويقول في أبى بكر رضي الله عنه " إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ "رواه البخاري) كما انه لم يجحد دخوله مكة في جوار المطعم بن عدي، بعد عودته من رحلة الطائف، حتى بعد وفاته ،فيقول في أسرى بدر " لو كان المطعم بن عدى حيا، ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم له".
فقد كان صلى الله عليه وسلم، منصفا يعطى كل ذي حق حقه، لا فرق في ذلك بين المسلم وغيره فقد قال الله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )النساء 135) وقال سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )المائدة8) وعلى هذا كان الصحابة رضوان الله جل وعلا عليهم ومن ذلك ما حدث من تنازع بين سيدنا عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وهو أمير على المؤمنين مع يهودي ، فاحتكما إلى شريح قاضي المسلمين، فسأل أمير المؤمنين البيّنة فعجز عن إقامتها، فوجّه اليمين إلى خصمه اليهودي فحلف ، فحكم بالدرع لليهودي، فتعجب اليهودي من  الأمر ، وقال: قاضي أمير المؤمنين يحكم لي عليه، ونطق بالشهادتين وأسلم لما رأى من عظمة الإسلام وعظمة مبادئه وأحكامه التي تضع الإنسانية دائما في اعتباراتها .
- كان رحيما بالصغير، موقرا للكبير، فهو القائل " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا "رواه أبو داود والترمذي) فلما جاءه رجل يبايعه على الهجرة، وقد ترك أبواه يبكيان، قال له "ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا "(رواه النسائي)  وفى مسند الإمام احمد،عن أسماء بن أبى بكر رضي الله عنها قالت " لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ، أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ ، يَعُودُهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ أَنْتَ إِلَيْهِ " مما يشير إلى دعوة الإسلام إلى احترام الكبير والرحمة بالصغير
- كما أن الوسطية والاعتدال، منهجه صلى الله عليه وسلم، إذ ينهى عن التشدد والغلو، يحذر من الإفراط والتفريط فهو القائل " وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِى الدِّينِ "ابن ماجة) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" البخاري).
المسلمون : إن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه وسلوكه، فقد قال صلى الله عليه وسلم" إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا" وإذا سألت من اقرب الناس مجلسا من الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لوجدت أن أحسن الناس أخلاقا هم اقرب مجلسا، وأحب الناس إليه ، إذ يقول صلى الله عليه وسلم " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) رواه الترمذي) وكما أن للأخلاق أثرها على الفرد، لها أثرها على المجتمع ، فالأخلاق الطيبة هي أساس لبناء المجتمعات، والسلوك الحسنة من شأنها أن تبني مجتمعا محصنا لا تنال منه عوامل التردي، ومن ثم فان للأخلاق أهمية بالغة في سعادة أي مجتمع وشقائه، فكلما كان المجتمع متمسكا بالأخلاق الفاضلة كان استقراره وأمنه متحققا، ولله در القائل:
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فما أحوجنا إلى أن نعيش بالقلب والجوارح أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم فنأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وفي سائر أحواله، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا ، فقد قال الله تعالى( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )الأحزاب21)
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent