recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان : الصدق وأثره في صلاح الفرد والمجتمع - للشيـخ / محمد حســـــن داود


خطبة بعنــــوان :
الصدق وأثره في صلاح الفرد والمجتمع
للشيــــخ / محمد حســـــن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا
العناصــــــــــر
مكانة الصدق ودرجته ودعوة الإسلام إليه
أنواع الصدق ومجالاته .
اثر الصدق على الفرد والمجتمع .
التحذير من الكذب وبيان عواقبه .
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾التوبة 119) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرّ،ِ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " متفق عليه ) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الإسلام داعيا إلى أحسن الخلق وأجمل الصفات، وأنبل القيم وأفضل السمات، ومن ذلك " الصدق" من تخلق به تحلى بكل فضيلة، وخلص نفسه من كل رذيلة فهو سيد الأخلاق، ورأس المكارم والفضائل، وعنوان الشمائل، وجامع خصال البر قال تعالى (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )البقرة177) كما أنه دليل على صدق الإيمان؛ إذ أن المؤمن الصادق في إيمانه لا يكون إلا صادقًا مع ربه، صادقًا مع نفسِه، صادقًا في تعامله مع غيره؛ قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) الحديد19) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا عَمَلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " الصِّدْقُ ، وَإِذَا صَدَقَ الْعَبْدُ بَرَّ ، وَإِذَا بَرَّ آمَنَ ، وَإِذَا آمَنَ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ " رواه احمد)
ومما زاد الصدق شرفا وفضلا أن وصف الله به نفسه، فقال تعالى (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ )آل عمران95) وقال سبحانه ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)النساء87) وقالَ سبحانه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) النساء122) ورغم أن الأنبياء عليهم السلام في جميع الأخلاق الطيبة قمة، وفي كل الصفات الراقية منارة، إلا أن الله مدحهم بالصدق وما أعظم هذه الإشارة إلى مكانة الصدق ودرجته، فقال الله تعالى في شأن إبراهيم عليه السلام (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)مريم41) وفى شأن إسماعيل عليه السلام (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) مريم54) وفى شأن إدريس عليه السلام (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ) مريم56) وفى شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ )النجم1-4) فلقد كان الصدق صفة ملازمة للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لقب قبل البعثة بالصادق الأمين ، شهد بذلك العدو والحبيب، إذ تقول له أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها " أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " ولما سأل هرقل - ملك الروم - أبا سفيان قبل إسلامه قائلا: "هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قال: لا، فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله" رواه البخاري) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: " يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ " - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ:  "أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، - وفي رواية ما جربنا عليك كذبا- قَالَ:  " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ (المسد 1، 2) رواه البخاري ومسلم) كما امتدح الله جل وعلا بالصدق الصحابة الأطهار فقال سبحانه ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾الأحزاب23/24) وقال سبحانه (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ الحشر8) .
إن الصدق من الصفات المحمودة على مر الأيام والأحوال ، فقد كانت العرب تنفر من الكذب وتهجو أهله، ولا أدل على ذلك مما قاله أبو سفيان قبل إسلامه، بعد أن صدق ملك الروم في حديثه عن النبي إذ يقول" وَاللَّهِ، لَوْلا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ " وعن حال النبي مع الكذب تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها " ما كانَ خُلُقٌ أَبغَضَ إلى رسولِ اللهِ من الكَذِبِ، ولقد كان الرَّجلُ يُحدِثُ عندَ النَّبِيِّ الكِذْبَةَ فَمَا يَزَالُ في نَفْسِ النَّبيِّ عليه حتى يَعلمَ أنَّهُ قد أحْدَثَ مِنها تَوبَةً "  رواهُ أَحمَدُ وابنُ حِبَّانَ ) ولم لا؟ ولقد كان الصدق من أول الخصال والأخلاق التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما سأل النجاشي، جعفر بن أبى طالب عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ عد له ما دعا إليه ومنه الصدق فقال "  وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ  ".  ومن ينظر في كتاب الله جل وعلا وفى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، يجد دعوة الإسلام وترغيبه في الصدق؛ فقد قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾التوبة 119)  وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلا يَضُرُّكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا : صِدْقُ حَدِيثٍ ، وَحِفْظُ أَمَانَةٍ ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ ، وَعِفَّةُ طُعْمَةٍ " رواه احمد )
والصدق لا يقف عند القول، بصدق الحديث فحسب؛ بل منه الصدق في النية بصفائها وإخلاصها لله؛ ومنه الصدق في الفعل بامتثال أوامر الله ورسوله، والانتهاء عما نهى عنه الله ورسوله في كل الأفعال والأحوال؛ سواء كان ذلك مع الله جل وعلا أو مع الناس أو مع النفس؛ فمن الصدق مع الله؛ صدق التوبة إليه وصدق التوكل عليه وحسن الظن به، وإخلاص الأعمال له، فقد قال الله تعالى ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الانعام162) وعَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ ، أَنَّ رَجُلًا ، مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَالَ : أُهَاجِرُ مَعَكَ فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ ، غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهَ مَا قَسَمَ لَهُ ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا هَذَا فَقَالَ : قَسَمْتُهُ لَكَ قَالَ : مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ، وَلَكِنِ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ قَالَ : إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَهُوَ هُوَ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ : صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَّقَهُ ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ " رواه النسائي). ومن الصدق مع الناس: الحفاظ على أموالهم واعرضهم ودمائهم، والتحلي بالوفاء بالوعد وصدق الحديث، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ  " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ  " رواه البخاري ومسلم) ومنه عدم ترويج الشائعات فقد قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات6) وقال صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " ويقول صلى الله عليه وسلم" كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع" ويقول صلى الله عليه وسلم " وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه) وكذلك في البيع والشراء، بعدم الغش والاحتكار أو التطفيف في الكيل ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ  " رواه الترمذي). ومن الصدق مع النفس أن يكون الإنسان في سره كعلانيته وان يحاسب نفسه ويقومها إن ذلت في معصية، قال تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )الشمس7/10) .
إن في الصدق صلاح الحياة واستقامتها؛ ففيه شرف القدر، وعلو المنزلة و حسن السيرة، ونقاء السريرة، فلا تعلو لأحد مكانة، ولا يحرز قبولا في قلوب الناس إلا أن يكون صادقا ،
- فالصدق نجاة ؛ هذا كعب بن مالك رضي الله عنه ورفاقه، صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في عدم مرافقته في غزوة تبوك ولم يختلقوا الأعذار كغيرهم لما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة. يقول كعب بن مالك رضي الله عنه فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ: فَقَالَ لِي: " مَا خَلَّفَكَ، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ". فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  "أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ " فأعقبهم الله تعالى الفلاح بقوله سبحانه ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾التوبة118)
- به تتفاضل الناس؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ " ، قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ، قَالَ : " هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ ، لَا إِثْمَ فِيهِ ، وَلَا بَغْيَ ، وَلَا غِلَّ ، وَلَا حَسَدَ " رواه بن ماجة)
- تفريج الكربات، وإجابة الدعاء، والنجاة من المهلكات، كما يدل على ذلك قصة أصحاب الغار(الثلاثة الذين أصابهم المطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم)؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ "اهـ.  فدعا كل واحد منهم بما عمِله من عمل صدَق فيه لله، وأخلص له فيه، فكان الفرج والنجاة .
صبرٌ جميلٌ ما أسرَعَ الفرجَا *** مَن صَدَقَ اللهَ في الأمورِ نَجَا
مَـــن خشِيَ اللهَ لم ينَلْهُ أذًى *** ومَــن رجا اللهَ كان حيثُ رَجَا
- طمأنينة القلب والنفس وراحة البال، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ" الترمذي)
- وكما انه يجلب الطمأنينة فانه يجلب البركة، فعن حَكِيم بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " رواه البخاري)
- الفوز بالحسنات وعظم الأجور والدرجات، فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ " رواه مسلم)
-  حسن العاقبة، والثناء في الملا الأعلى، ودخول الجنة ؛ فقد قال الله تعالى ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) المائدة119) وقال تعالى ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا )النساء69 /70) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرّ،ِ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا " وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ " رواه احمد وبن حبان والبيهقى)  وكما أن للصدق الأثر الطيب على الفرد؛ له الآثار الطيبة على المجتمع، فمن البديهي أن اللسان هو أحد أهم أدوات التفاهم والتواصل بين البشر، والترجمان العملي لأفكارهم وما يدور في خلدهم؛ وعلى ذلك فصدقه عاملاً مهما في نشر الثقة بين أبناء الأسرة الواحدة، وأبناء المجتمع الواحد مما يؤدى إلى الاستقرار والمحبة والتماسك والترابط وزيادة أواصر التفاهم والتعاضد بين أفراده، كما أن الصدق في العمل من أعظم أسباب التقدم والرقى .
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوم النفس بالأخلاق تستقم
وكما حث الإسلام على الصدق ودعا إليه، ووعد عليه الأجر الطيب والثناء الحسن، فلقد ذم الكذب وحذر منه ونهى عنه وجعل له العواقب الوخيمة؛ فهو وصف قبيح وداء عضال ومرض خطير، فكما أن الصدق هو رأس الفضائل وجامع لخصال الخير؛  فالكذب رأس الرذائل، ومجمع المساوئ؛ إن أصاب قلبا أمرضه، وكان دليلا على سوء الطوية، وانحطاط الهمة، وسقوط المنزلة عند الله وعند الخلق، فعند الإمام مالك في الموطأ موقوفاً على ابن مسعود، رضي الله عنه " لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه، فيكتب عند الله من الكاذبين". كما انه إن أصاب أسرة فرقها، وإن أصاب مجتمعا أوهنه، فهو باب للمحن ، ومزيل للنعم والمنن، طارد للخير، جالب للشر، وكفى في خطره وقبحه انه من خصال النفاق ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" ويقول الحسن البصري رحمه الله " الكذب جماع النفاق ". فكم فرق بين أحباب ونثر الشقاق بين أصدقاء، وزرع العداوة بين أهل وأرحام، لذا تنفر منه النفوس الكريمة، والطبائع السليمة، والعقول الحكيمة، وقد قيل ( من قلَّ صدقه قلَّ صديقه )
إن المتتبع لآيات القران الكريم ونصوص السنة النبوية، يجد كل الوعيد لمن اتخذ الكذب سبيلا إلى غايته، إذ يقول الله جل وعلا (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الجاثية 7) ويقول سبحانه ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )النحل116/ 117) وفى الحديث وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " متفق عليه) فاحذروا الكذب، واحذروا قول الله تعالى (فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران:61) فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ " رواه أبو داود)
وَمَا شَيْءٌ إِذَا فَكَّــــــرْتَ فِيْهِ*** بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوْءَةِ وَالْجَمَال
مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيْهِ *** وَأَبْعَد بِالْبَهَاءِ مِنَ الرّجَال
( الدعـــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس

google-playkhamsatmostaqltradent