خطبة بعنــــوان :
عفــو الله الكريــــــم
للشيــــخ / محمد حســـــن داود
عفــو الله الكريــــــم
للشيــــخ / محمد حســـــن داود
العناصــــــــــر
العفو من صفات الله سبحانه وتعالى .
من مظاهر عفو الله جل وعلا .
دعوة الإسلام إلى طلب عفو الله بالقول والعمل.
العفو من صفات الله سبحانه وتعالى .
من مظاهر عفو الله جل وعلا .
دعوة الإسلام إلى طلب عفو الله بالقول والعمل.
الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو
عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)الشورى25) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف" إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ
يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ
فَوْقَ الْعَرْشِ " رواه
البخاري) اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فمن أسماء الله
سبحانه وتعالى " العَفُوُّ " ومن صفاته
" العفو "، فهو سبحانه وتعالى الكبيرِ المتعال، صاحبِ العطايا والكرم
والإفضال، رحمته فاقت كل حد، وعفوه فاق كل وصف، سبحانه يعطى ويمنح، يعفو ويصفح، قال
تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ
وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)الشورى25) يعفو عن المسيء كرما وإحسانا، ويفتح للعباد أبواب
رحمته فضلا وإنعاما، قال الله جل وعلا (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ
فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الانعام54) وقال جل وعلا (وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)
النساء99) و عن أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ،
فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا
وَاحِدًا ؛ فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ
حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ " رواه البخاري) وعَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا
فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ
طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ " ، قُلْنَا " لَا وَاللَّهِ وَهِيَ
تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا " رواه
مسلم)
وَلَمّا قَسا قَلبي
وَضاقَت مَذاهِبـــــي *** جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما
تَعاظَمَني ذَنبي
فَلَمّــــــــــــــا قَرَنتُهُ *** بِعَفوِكَ رَبّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما
فَما زِلتَ ذا
عَفوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَل *** تَجودُ وَتَعفو مِنَّةً وَتَكَرُّمــــــــا
- فمن جميل عفوه
سبحانه وتعالى : سعة كرمه وجوده وفضله فقد قال الله تعالى (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ
اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النحل18) وقال سبحانه
(وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) النحل 53) سبحانه، شمل بخيره الناس أجمعين ، قال تعالى (إِنَّ
اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) غافر61) وعم بجوده العالمين ، قال تعالى (وَلَٰكِنَّ
اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة251)وفى الحديث القدسي " يَا
عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْت
كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَته، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلَّا كَمَا يَنْقُصُ
الْمِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ " وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا
يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ " رواه البخاري) .
- ومن جميل عفوه
سبحانه وتعالى: أن رحمته تسبق غضبه، وعفوه يسبق عقابه، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ
كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ
مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ " رواه البخاري) وعنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ،
قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَقُولُ: فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يُدْنَى الْمُؤْمِنُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ،
فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ،
قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ
الْيَوْمَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، " رواه البخاري) وعَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ
الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا
كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟
أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ
عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً،
فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ:
احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ،
فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ " قَالَ:" فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ
وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا
يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ" رواه الترمذي)
- ومن جميل عفوه سبحانه وتعالى : مغفرة الذنوب وقبول
التوبة؛ قال جل وعلا (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر53) وفي الحديث
القدسي " يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا
ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً
" رواه الترمذي واحمد ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ رَجُلًا أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي أَذْنَبْتُ
ذَنْبًا أَوْ قَالَ : عَمِلْتُ عَمَلًا ذَنْبًا ، فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ
: " عَبْدِي عَمِلَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ
وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي " . ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ
قال : أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ
. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ
الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي " . ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا
آخَرَ أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ
. فَقَالَ : " عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ
بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي " . ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ قال : أَذْنَبَ
ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ . قال :
" عَبْدي عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ : أُشهِدُكم
أني قد غَفَرْتُ لِعَبْدي ، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ". بل ومن جميل عفوه انه سبحانه
يبسط يده ليتوب إليه من أساء، قال تعالى (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا )النساء27)
وعن أبي مُوسى عَبْدِ اللَّهِ بنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، رضِي الله عنه، عن النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ
النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها" رواه مسلم) بل من فضله ورحمته وكرمه،انه سبحانه وهو
الغنى عن عباده لا يضره من عصاه ولا ينفعه من أطاعه، إلا انه سبحانه تكرما وتفضلا يفرح
بتوبة عبده إليه فعن انس ابن مالك قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ
مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ ، فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ
وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ
فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ ، إِذَا هُوَ بِهَا
قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا " ، ثُمَّ قَالَ : " مِنْ شِدَّةِ
الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ
" رواه مسلم ) .
- ومن جميل عفوه سبحانه وتعالى: انه يعطى
الجزاء ويعظم الأجر إذا خلصت النية، حتى وان لم يوفق صاحبها للعمل؛ فعَنْ سهل بن حُنَيْفٍ
رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللَّه
صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ سأَلَ اللَّه تَعَالَى الشَّهَادةَ بِصِدْقٍ
بلَّغهُ اللهُ منَازِلَ الشُّهَداءِ وإنْ ماتَ على فِراشِهِ " رواه مسلم ) وعَنْ
جابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضِيَ اللهُ عنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَع
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزَاة فَقَالَ " إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً،
وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ وَفِي روايَةِ:
إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر " رَواهُ مُسْلِمٌ ) ورواهُ البُخَارِيُّ
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ "
رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ
أَقْوَامَاً خلْفَنَا بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ
مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ " وعن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرِضَ
الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ له ما كان يعمل صحيحا مقيما " البخاري )
- ومن جميل عفوه سبحانه وتعالى: أن العبد إذا
أراد السيئة، فتركها خوفا من الله وطمعا في رحمته، كتبت له حسنة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ إِذَا
أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا
فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا
لَهُ حَسَنَةً وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا
لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ
مِائَةِ ضِعْفٍ " رواه البخاري)
- ومن جميل عفوه سبحانه وتعالى : أن النوافل تجبر خلل الفرائض عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ
: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إِنَّ
أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ
فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ
، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا
هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ
؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " رواه أبو داود والترمذي
والنسائي )
- ومن جميل عفوه
سبحانه وتعالى: أن جعل لنا أوقاتا تضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات وتعظم
فيها الأجور، ومن ذلك يوم عرفة، ويوم عاشوراء؛
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى
اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ
يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ
" رواه مسلم) ومنه ليلة القدر فقد قال صلى الله عليه وسلم "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ
الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) العشر
الأول من ذي الحجة فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ اْلأضْحَى،
قِيلَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إَلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ
يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
- ومن جميل عفوه
سبحانه وتعالى: أن تعددت مكفرات الذنوب، حتى كانت الفرائض من بينها ؛ ففي الصلاة
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله
بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ " قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ
اللّهِ، قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا
إِلَى الْمَسْاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ"
رواه مسلم) وعن أَبي هُريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم
قَالَ: الصَّلواتُ الخَمْسُ، والجُمُعةُ إِلى الجُمُعَةِ، كفَّارةٌ لِمَا بَيْنهُنَّ،
مَا لَمْ تُغش الكبَائِرُ رواه مسلم) وعن عثمانَ بنِ عفان رضي الله عنه قالَ: سمِعْتُ
رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ: ما مِن امرئ مُسْلِمٍ تحضُرُهُ صلاةٌ مَكتُوبةٌ
فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشوعَهَا، وَرُكُوعَها، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارةً لِمَا
قَبْلَهَا مِنْ الذنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرةٌ، وَذلكَ الدَّهْرَ كلَّهُ
" رواه مسلم) وفى صيام رمضان وقيامه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ" ويقول صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وفى الحج والعمرة، يقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم " منْ حجَّ
فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ " متفقٌ عَلَيْهِ)
ويقول ايضا "العُمْرَة إِلَى العُمْرِة كَفَّارةٌ لِمَا بيْنهُما، والحجُّ المَبرُورُ
لَيس لهُ جزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةَ "متفقٌ
عليهِ)
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم اشد
الناس حرصا على طلب العفو من الله جل وعلا فعن بن عمر رضي الله عنهما، قَالَ"
لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وَإذا
أَمْسَى، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي
وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي
مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي
وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي" رواه أبو داود) ومن ينظر
في كتاب الله جل وعلا، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يجد دعوة الإسلام إلى طلب عفو
الله جل وعلا، بالقول والعمل؛ فلما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للرسول صلى
الله عليه وسلم " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ
لَيْلَةُالْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟"، قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ
عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي". ويقول الله جل وعلا(وَهُوَ
الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ
مَا تَفْعَلُونَ)الشورى25)في دعوة للناس أن يتوبوا إلى الله جل وعلا طلبا لعفوه
سبحانه ؛ ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتصدق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه،
فلما شارك المنافقين في اتهام أم المؤمنين عائشة بالإفك وبرأها الله عزَّ وجلَّ، قال
أبو بكر: "وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَال
لعَائِشَةَ"، فَأَنْزَل اللهُ سبحانه وتعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ
مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: "بَلى، وَاللهِ
إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لي"، فَرَجَعَ إِلى مِسْطَحٍ الذِي كَانَ
يُجْرِي عَليْهِ" رواه البخاري) وفى ذلك إشارة، إلى أن من أسباب عفو الله جل وعلا،
الصدقة وقضاء الحوائج، وتفريج الكربات والتخلق بخلق العفو، والتيسير على الناس، فقد
قال صلى الله عليه وسلم" وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا"
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ
لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ، لَعَلَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ:
هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا. إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ وَكُنْتُ
أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ،
وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ " .
يَا رَبِّ إِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً
*** فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ
إِن كَانَ لَا يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ
*** فَبِمَنْ يَلُوذُ وَيَسْتَجِيرُ المُجْرِمُ
مَا لِي إِلَيكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا
*** وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس