خطبة بعنــــوان :
حاجتنا إلــــــــــــى الدين
وضـــــــرورة محاسبة النفس
للشيــــخ / محمد حســــــــن داود
حاجتنا إلــــــــــــى الدين
وضـــــــرورة محاسبة النفس
للشيــــخ / محمد حســــــــن داود
العناصــــــــــر
الشرائع السماوية جاءت بما يحقق السعادة للبشرية .
محاسبة النفس، مكانتها ودعوة الإسلام إليها .
صور من محاسبة السلف الصالح لأنفسهم .
مما يعين العبد على محاسبة نفسه، وثمرات المحاسبة .
دعوة إلى محاسبة النفس .
الشرائع السماوية جاءت بما يحقق السعادة للبشرية .
محاسبة النفس، مكانتها ودعوة الإسلام إليها .
صور من محاسبة السلف الصالح لأنفسهم .
مما يعين العبد على محاسبة نفسه، وثمرات المحاسبة .
دعوة إلى محاسبة النفس .
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا
قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )الحشر18)
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل
في حديثه الشريف" الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ
، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ " رواه
الترمذي) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
:
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى، الأنبياء
والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، بما يحقق للناس السعادة، ويضبط ميزان حياتهم ، فالشرائع
السماوية جاءت داعية إلى الخير، آمرة بالبر والرحمة والإنسانية والسماحة والسلام، قال
تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد25) ويقول الله جل وعلا (قُلْ
تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ
نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا
بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ
بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ ) قال ابن عباس رضي الله عنه "
هذه آيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب" ويقول النبي صلى الله عليه وسلم
" إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" رواه أحمد) فالشرائع السماوية
لم تكن دعوتها فقط إلى عبادة الله ، بل وإلى التزام أحسن الأخلاق وأفضل الصفات، وأنبل
القيم، فحثت على بر الوالدين، وصلة الرحم، وحسن الجوار، وحرمة مال اليتيم ، كما دعت
إلى الصدق والأمانة والجود والكرم،والوفاء بالعهد والمساواة والرحمة والإنسانية والسماحة
وجميع مكارم الأخلاق وجميل القيم، وأمرت بالحفاظ على الدماء والأعراض والأموال ، ومن
ينظر في كتاب الله جل وعلا يرى جيدا شيئا من اثر الأخذ بهذه القيم النبيلة والمبادئ
السامية، في سعادة الناس وضبط ميزان حياتهم، قال تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي
هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة38)
وقال سبحانه ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ) طه2) ويقول جل
وعلا ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن
ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ
* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ
أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ) طه124-126 ) .
ومن ثم يجب علينا، خاصة ونحن نودع عاما
ونستقبل آخر، أن نحاسب أنفسنا على ما صدر منها، فالأيام تتعاقب، والشهور تتوالى، والسنون
تتلاحق، والأعمار تطوى، والآجال تقضى، ويوم القيامة يقف الإنسان بين يدي الله عز وجل
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ
مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً )آل عمران30)
يسأل عن الصغير، والكبير، والقليل، والكثير (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً
يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة 7/8) فيا سرور
من زحزح عن النار، وادخل الجنة برحمة العزيز الغفار، قال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ
عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
مَتَاعُ الْغُرُورِ )آل عمران185).
لذا لزم
كل عاقل، أن يقف مع نفسه كل يوم بل كل ساعة وقفة محاسبة ومراجعة، ينظر فيها إلى أفعاله،
بل وإلى أقواله، فقد قال الله تعالى (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٌ ) ق 18) ينظر فيها إلى حاله في عبادته وطاعاته، ينظر فيها إلى معاملته مع
الناس، ينظر فيها إلى أخلاقه وسلوكه؛ يحاسب نفسه أولا بأول، قبل العمل وبعده، كما يقف
التاجر الأريب من تجارته، ينظر إلى ربحه وخسارته، باحثا عن الأسباب، متأملا في الخطأ
والصواب، فإذا كان بعضا من الناس يعيش حالة حزن إذا خسر شيئا من ماله في تجارته، ويمر
عليه الوقت وهو في ندمه على صفقة أو تجارة فاتته، فكيف بمن يخسر نفسه والله تعالى يقول
(قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ
النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ
فَاتَّقُونِ)الزمر15/16) ومن ثم فمحاسبة النفس طريق للنجاح، وسبب للفلاح، وعلامة للسعادة
، قال تعالى ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ النازعات 40/41) هي من سمات أهل الإيمان إذ يقول الحسن البصري
" إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ، وَإِنَّمَا
خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا،
وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الْأَمْرَ
عَلَى غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ " السنن الكبرى للنسائي، ومصنف بن أبى شيبة) وعنه في
قوله تعالى( وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ
لَا تَرَاهُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ يَقُولُ : مَا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي ، يَقُولُ
: مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي ، مَا أَرَدْتُ بِحَدِيثِ نَفْسِي ، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا
يُعَاتِبُهَا " الزهد للإمام احمد) ويقول سهل بن عبد الله " الْمُؤْمِنُ
مَنْ رَاقَبَ رَبَّهُ وَحَاسَبَ نَفْسَهُ وَتَزَوَّدَ لِمَعَادِهِ " حلية الأولياء) وهى علامة أهل التقوى، كما بين القران،
أن من صفات المتقين محاسبة النفس، قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً
أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)آل
عمران 135) وقال سبحانه ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾الأعراف)2019 عن ميمون بْنَ مِهْرَانَ، انه قال"
لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يُحَاسَبَ نَفْسَهُ أَشَدَّ مِنْ
مُحَاسَبَةِ شَرِيكِهِ، حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ، وَمِنْ أَيْنَ مَلْبَسُهُ،
وَمِنْ أَيْنَ مَشْرَبُهُ، أَمِنْ حِلٍّ ذَلِكَ أَمْ مِنْ حَرَامٍ ؟ " حلية الأولياء)
ولقد تضافرت الآيات القرآنية، والأحاديث
النبوية تدعونا إلى محاسبة النفس وتقييمها وعدم إهمالها، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )الحشر18) قال بن كثير "أي حاسبوا
أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم
وعرضكم على ربكم" تفسير بن كثير) وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ
لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى
عَلَى اللَّهِ " (دَانَ نَفْسَهُ :أى حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ
أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه الترمذي و قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ)،وعَنْ
ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ
أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا "، قَالَ : فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ؟ قَالَ
: " أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا،
أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ " رواه بن ماجة)
ولقد ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة
في محاسبة النفس وتقييم مسارها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، فعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ،
قَالَ" لَقِيَنِي أَبُوبَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ:
قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ،
حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ،
فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُوبَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا،
فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُوبَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَمَا ذَاكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ
عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ
وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي،
وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ،
وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " رواه مسلم) وروى
الإمام مالك في الموطأ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، رضي الله عنه ، دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،رضي الله عنه،
وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ"
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ". وعن أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : " سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمًا وَخَرَجْتُ
مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا ، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ
جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ : عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، بَخٍ بَخٍ
وَاللَّهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ
" معرفة الصحابة لأبي نعيم)
هكذا كان سلفنا الصالح؛ يحاسبون أنفسهم
على مدار الوقت ويقفون مع أنفسهم وقفات حاسمة، يدققون النظر والفكر في أعمالهم، إذ
يقول إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ " مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ أُعَالِجُ أَغَلَالَهَا
وسَعِيرَهَا آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا وَأَشْرَبُ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا فَقُلْتُ : يَا
نَفْسُ إِيشْ تَشْتَهِينَ ؟ قَالَتْ : أَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ عَمَلًا
أَنْجُو بِهِ مِنْ هَذَا الْعِقَابِ ، وَمَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ مَعَ حُورِهَا
وأَلْبَسُ مِنْ سُنْدُسِهَا وإِسْتَبْرَقِهَا وَحَرِيرِهَا قُلْتُ : يَا نَفْسُ إِيشْ
تَشْتَهِينَ ؟ قَالَ : فَقَالَتْ : أَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ عَمَلًا أَزْدَادُ
فِيهِ مِنْ هَذَا الثَّوَابِ ، قُلْتُ : فَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُمْنِيَةِ
" الزهد للإمام احمد) ؛
كما كانوا يتواصون فيما بينهم بمثل
هذا؛ فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله" أَنْ حَاسِبْ نَفْسَكَ
فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ ، فَإِنَّهُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الرَّخَاءِ
قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ عَادَ مَرْجِعُهُ إِلَى الرِّضَا وَالْغِبْطَةِ وَمَنْ أَلْهَتْهُ
حَيَاتُهُ وَشُغْلُهُ بِهَوَاهُ عَادَ مَرْجِعُهُ إِلَى النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ
" شعب الإيمان والزهد الكبير للبيهقي) قال حاتم الأصم " تَعَاهَدْ نَفْسَكَ
فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ ، إِذَا عَمِلْتَ فَاذْكُرْ نَظَرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْكَ
، وَإِذَا تَكَلَّمَتَ فَانْظُرْ سَمَعَ اللَّهِ مِنْكَ ، وَإِذَا سَكَتَّ فَانْظُرْ
عِلْمَ اللَّهِ فِيكَ " حلية الأولياء)
ومما يعين العبد على محاسبة نفسه: أن
يعلم أن الله جل وعل مطلع على سره وعلانيته، قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا ﴾النساء1) ويقول سبحانه (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
) الملك13/14) وأن كل أعماله مكتوبة إما له أو عليه، فقد قال الله تعالى(وَوُضِعَ الْكِتَابُ
فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ
هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا
مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف49) وأن جوارحه وأعضاءه، ستشهد يوم القيامة
بما كان منه، فقد قال الله تعالى (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )النور24) وانه محاسب يوم القيامة على
القليل والكثير قال تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) الصافات 24)
فإنه لا أضر على العبد من إهمال النفس وترك
محاسبتها والاسترسال خلف شهواتها، والله تعالى يقول (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا
اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)الحشر19) قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
" حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ
أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا، أَنْ تُحَاسِبُوا
أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْض الأَكْبَرِ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ
لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ". وإن من اجل ثمار محاسبتها:
- تزكيتها وتطهيرها وإصلاحها وإلزامها أمر الله تعالى
قال سبحانه (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاها * قَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) الشمس 7-10) فالنفوس بطبيعتها
البشرية قد تتقلب ما بين حق وباطل ،وما بين معصية وطاعة، وما بين كسل وعمل ،قال تعالى
(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ
رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )يوسف53) ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه
وسلم " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ".
- كما أن محاسبة النفس، تظهر للإنسان
ذنوبه وعيوبه، فتكون باب توبة واستغفار ورجوع إلى الله جل وعلا ، والله سبحانه
وتعالى يقول (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو
عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)الشورى25) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ رَجُلًا أَذْنَبَ ذَنْبًا
، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا أَوْ قَالَ : عَمِلْتُ عَمَلًا ذَنْبًا
، فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " عَبْدِي عَمِلَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ
أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي
" . ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ قال : أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ
: رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :
" عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ
غَفَرْتُ لِعَبْدِي " . ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ
، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ : " عَلِمَ
عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي
" . ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ قال : أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ
: رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ . قال : " عَبْدي عَلِمَ أَنَّ
لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ : أُشهِدُكم أني قد غَفَرْتُ لِعَبْدي
، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ".
- ومن ثمارها أنها توقظ الضمير، فمن حاسب
نفسه خاف ربه، وقد قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) الملك12) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول
" يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ،
وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، إِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة
" .
- كما أن من ثمارها استقامة النفس على
طاعة الله، وهذا جماع الخير ورأس الفضائل، وطريق الفوز والفلاح، فقد قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) فصلت30-32)
ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي
فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ " قَالَ صلى
الله عليه وسلم : " قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ، ثُمَّ اسْتَقِمْ ".
ومن ثم فالواجب علينا أن ننظر في أعمالنا
وأقوالنا ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فكلنا أمام الله جل وعلا موقوفون ومسئولون على
ما قدمنا وأخرنا مسئولون؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لَا تَزُولُ قَدَمَا
عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا
أَفْنَاهُ ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ
، وَفِيمَا وَضَعَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ " فمن كان محسنا في عمله
فليحمد الله ويزداد فقد قال الله جل وعلا( و تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ
وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) البقرة197)وقال أيضا (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ
يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) الحجر99) ومن وجد غير ذلك فليقلع وليرجع إلى الله تعالى فهو
سبحانه القائل (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا
مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن
رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ
)الزمر 53-55) قبل أن تمر الأيام وينتهي العمر وينقضي الأجل ولا ينفع يومئذ الندم،
قال تعالى( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ
)الزمر56)
تزود من معاشك للمعــــــاد * * * وقم لله
واعمل خيـر زاد
( الدعـــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس