خطبة بعنـــــــوان :
من مظاهر العظمة في الشريعة الإسلامية
الــــرحمة والتيسيــــر
للشيخ / محمد حســـن داود
من مظاهر العظمة في الشريعة الإسلامية
الــــرحمة والتيسيــــر
للشيخ / محمد حســـن داود
الموضـــوع :
الحمد لله رب العالمين،
القائل في كتابه العزيز ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )البقرة185) وقال جل وعلا (لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)البقرة286)
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل
في حديثه الشريف" " إِنَّكُمْ أُمَّةٌ
أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ " رواه احمد) ويقول صلى الله عليه وسلم "إِنَّ
الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا
وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ"
رواه البخاري) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، وبعد
إن من اجل مظاهر عظمة هذا الدين، انه دين
السماحة والتيسير، فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع
ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، رحمة كله، إنسانية كله، سماحة
كله، تيسير كله؛ قال تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )الحج78)
ويقول جل وعلا ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
)البقرة185) ويقول سبحانه ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ
ضَعِيفًا )النساء28) ويقول تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)البقرة286) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ
وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا
وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" رواه
البخاري) ويقول صلي الله عليه وسلم " إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ
" رواه احمد) ويقول أيضا " إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ ، إِنَّ خَيْرَ
دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ " رواه احمد)
فمن يتدبر الآيات والأحاديث يرى بكل
وضوح أن السماحة والتيسير منة وكرم وفضل الهي
يقول جل وعلا ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ
عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الانعام54) وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ
قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِسَبْي، فَإِذَا امْرَأَةٌ
مِنَ السَّبْي تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ
بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"
أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟" قُلْنَا لاَ
وَاللَّهِ وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم " لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا
" رواه مسلم ) إذ فتح الله لعباده باب التوبة والإنابة فيقول جل وعلا (وَهُوَ
الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ
مَا تَفْعَلُونَ)الشورى25) يعطى الجزاء ويعظم الأجر إذا خلصت النية، حتى وان لم يوفق
صاحبها للعمل؛ فعَنْ سهل بن حُنَيْفٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه
وسلم قَالَ: " مَنْ سأَلَ اللَّه تَعَالَى الشَّهَادةَ بِصِدْقٍ بلَّغهُ اللهُ
منَازِلَ الشُّهَداءِ وإنْ ماتَ على فِراشِهِ " رواه مسلم )وعن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرِضَ
الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ له ما كان يعمل صحيحا مقيما " البخاري ) من أراد
السيئة، فتركها خوفا من الله وطمعا في رحمته، كتبت له حسنة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ إِذَا
أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا
فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا
لَهُ حَسَنَةً وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا
لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ
مِائَةِ ضِعْفٍ " رواه البخاري) ومع أن في تعدد مكفرات الذنوب إشارة قوية إلى
مدى سماحة الشريعة الإسلامية، إلا أن الأعظم، أن كانت الفرائض من بينها؛ ففي الصلاة
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصَّلواتُ الخَمْسُ، والجُمُعةُ إِلى الجُمُعَةِ،
كفَّارةٌ لِمَا بَيْنهُنَّ، مَا لَمْ تُغش الكبَائِرُ" رواه مسلم) وفى الصدقات، يقول الله جل وعلا (إِنْ
تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ) البقرة271) وفى الصيام، يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ" وفى الحج ، يقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم " منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ
أُمُّهُ " متفقٌ عَلَيْهِ)
إن السماحة والتيسير مبدأ عظيم من مبادئ الشريعة
الإسلامية، أمرنا الإسلام أن نتمسك به، عملا به، ودعوة إليه، وهذا واضح جلي في منهج
النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله كما هو واضح جلي في أقواله، فقد قال الله جل وعلا
في حقه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )الانبياء107) وقال تعالى(لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ )التوبة 128) وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها،
قالت " مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ
أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا
لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ " متفق
عليه) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : هَلَكْتُ ، يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، قَالَ : وَمَا أَهْلَكَكَ ؟ قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ
، قَالَ : هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَهَلْ تَسْتَطِيعُ
أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَهَلْ تَجِدُ مَا
تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : ثُمَّ جَلَسَ ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ ، فَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهَذَا
قَالَ : أَفْقَرَ مِنَّا ؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ
مِنَّا ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ
، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" . ولما أخبرت السيدة عائشة النبي
صلى الله عليه وسلم بأمر الحولاء بنت تويت، كما جاء عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ،
أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ
أَنَّ الْحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى،
مَرَّتْ بِهَا، وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ
هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَنَامُ اللَّيْلَ
خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا
" رواه مسلم) ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل الذي دعا قائلا
" اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا
وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا،" فقال
له " لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا
". و عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : " جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ : أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ
، فَقَالَ الْقَوْمُ : هِيَ الشَّمْلَةُ ، فَقَالَ سَهْلٌ : هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ
فِيهَا حَاشِيَتُهَا ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْسُوكَ هَذِهِ ، فَأَخَذَهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا ،
فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ
هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَامَهُ أَصْحَابُهُ ، قَالُوا : مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ
سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ
، فَقَالَ : رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا ".
وما زالت الشريعة الإسلامية تؤكد على السماحة
والتيسير، حتى تجلت السماحة في أعظم صورها والتيسير في أجمل معانيه في العبادات، فعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
" إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ ، فَلْيُخَفِّفْ ، فَإِنَّ فِيهِمْ ، الصَّغِيرَ
، وَالْكَبِيرَ ، وَالضَّعِيفَ ، وَالْمَرِيضَ ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ ، فَلْيُصَلِّ
كَيْفَ شَاءَ " رواه مسلم) كما أباح الصلاة للمريض على اى وجه يتحقق له من خلاله
رفع الحرج فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَتْ
بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ
، فَقَالَ : " صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ " رواه البخاري) ولما جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى
بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ فَلَمَّا أُخْبِرُوا
كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ قَدْ غُفِرَ
لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا
فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا
أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا؛ فَجَاءَ
رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ”أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ:
كَذَا وَكَذَا، أَمَا والله إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي
أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ
عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" رواه البخاري ومسلم) ورأى النبي صلى الله عليه وسلم حبلاً ممدودًا بين
ساريتين فسأل عنه، فأخبر أنه لزينب تتمسك به إذا كسلت عن الصلاة، فأمر صلى الله عليه
وسلم بإزالته وقال: " لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ
" متفق عليه)وفي الصيام يقول الله جل وعلا (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ
سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة 185) وفى الحج، جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ
: " أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا
" ، فقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا
ثَلَاثًا ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ
قُلْتُ : نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ، ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا
تَرَكْتُكُمْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ
عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ
، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ " رواه مسلم) وفى حجة الوداع وقف
النبي صلى الله عليه وسلم بمنى للناس يسألونه،
فجاءه رجل، فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: اذبح ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم
أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، فما سئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن
شيء قُدِّمَ ولا أُخِّر، إلا قال: افعل ولا حرج". وعن جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا
فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ،
فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا:
مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ.
فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ
فَقَالَ:" قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛
فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ،
وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ
جَسَدِهِ" رواه أبو داود )
لقد دعانا الإسلام إلى السماحة في اسمي
معانيها والتيسير في أبهى صوره، ليس فقط في عباداتنا بل أيضا في حياتنا، في معاملاتنا؛
إذ دعانا إلى حسن الصلة مع الناس جميعا، فقال
جل وعلا (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) الاسراء53) وجعل أحب
الناس إلى الله انفعهم للناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فأفضل الإيمان بل وكماله
في حسن الأخلاق والسماحة مع الناس ؛ فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟
قال "الصَّبر والسَّماحة " رواه أحمد والبيهقي)كما أن أفضل الإسلام، بل وتمامه،
أن يسلم الناس من يد العبد ولسانه، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ رضي
الله عنه قال : إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: "مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"
فمن السماحة التراحم والرفق وقضاء حوائج
المحتاجين وكشف الكرب عن المكروبين، فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم" " أَحَبُّ
النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ " " ومن السماحة ما كان في
المعاملة؛ من بيع وشراء، فقد قال صلى الله عليه وسلم " رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا
سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى" رواه البخاري)
ومن صدق في التجارة، بعدم الغش والتدليس أو الاحتكار، فقد قال صلى الله عليه وسلم
" التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"
ومن تيسير على المعسرين، فقد قال تعالى﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾البقرة
280)وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا
قَطُّ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ
مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَمَّا
هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا،
إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ
لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛
لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نحن أحقُّ بذلك، قَدْ
تَجَاوَزْتُ عَنْكَ" ومن السماحة حسن الجوار وصلة الأرحام ،فقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي
إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا " رواه البخاري)
ولم تقتصر السماحة في الإسلام على معاملة
المسلمين لبعضهم البعض بل شملت الجميع حتى وان اختلفت العقائد، فقد قال الله جل وعلا
( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ
يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة 8) وها هو القران الكريم يدعونا إلى حسن المعاملة
مع الناس جميعا يقول الله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة83) ويقول النبي
صلى الله عليه وسلم " وخَالقِ النَّاسَ
بخُلُقٍ حَسَنٍ " رواهُ التِّرْمذيُّ وقال حسنٌ " ولقد مرت جنازة فقام لها
النبي صلى الله عليه وسلم ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ:
أَلَيْسَتْ نَفْسًا" وعلى هذه المعاملة الحسنة والسماحة كان الصحابة رضوان الله
عليهم قد جاء عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ
فِي أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ " أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟
أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى
ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ " .
لقد دعانا الإسلام إلى تطبيق كل القيم والمبادئ
النبيلة،ومن اجلها السماحة بكل معانيها، ففي السماحة أفضل الإيمان، وصفاء النفوس ؛
فقد قال صلى الله عليه وسلم " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ
مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" متفق عليه) وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ " كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ.
قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ"
هُوَ النَّقِيُّ، التَّقِيُّ، لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا
حَسَدَ " ففيها النجاة يوم القيامة فقد قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ سَرَّهُ
أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ
أَوْ يَضَعْ عَنْهُ "رواه مسلم ) ويقول صلى الله عليه وسلم "ألَا أُخبِرُكم
على مَن تحرُمُ النَّارُ غدًا؟ على كلِّ هيِّنٍ ليِّنٍ سهلٍ قريبٍ" رواه ابن حبان
والطبراني).
وكنْ رجلًا على الأهوالِ جلدًا *** وشيمتُكَ
السَّمَاحَةُ والوفاءُ
وإن كثرت عيوبُكَ في البرايا *** وسَرَّك أَنْ يَكونَ لها غِطَاءُ
تَسَتَّر بالسَّخَاءِ فكُلُّ عَيْـــــــبٍ *** يُغطِّيه كما قيلَ السَّخــــــاءُ
وإن كثرت عيوبُكَ في البرايا *** وسَرَّك أَنْ يَكونَ لها غِطَاءُ
تَسَتَّر بالسَّخَاءِ فكُلُّ عَيْـــــــبٍ *** يُغطِّيه كما قيلَ السَّخــــــاءُ
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس