خطبة بعنـــــــوان :
روح العمل الجماعي وضوابطه
للشيخ / محمد حســـن داود
روح العمل الجماعي وضوابطه
للشيخ / محمد حســـن داود
الموضــــــوع :
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة2) وقال
جل وعلا (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الحج77) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ
فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى
مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى "
رواه مسلم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن الإسلام دين جاء بما يحقق المودة والمحبة
والألفة بين الناس، بما يحقق كل ما فيه منفعة للمجتمع، فدائما يدعونا إلى المشاركة
الفاعلة في خدمة المجتمع، قال الله جل وعلا (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا
تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
)البقرة148) وقال سبحانه (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
)الحديد21) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ
أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى
مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي
عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا، ..."
رواه الطبراني) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ فِي
سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى
رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ
بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ
بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ
حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ". رواه مسلم)
.
ولقد ذكر لنا القران الكريم، نماذج طيبة،
كانت حريصة كل الحرص على المشاركة في خدمة المجتمع؛ فهذا نبي الله موسى عليه السلام
يساعد المحتاجين: إذ يشير القرآن الكريم إلى صور عدة من مساعدة نبي الله موسى عليه
السلام للمحتاجين وطالبي العون والمساعدة؛ ومن ذلك تطوعه بمساعدة لامرأتين كانتا تستسقيان
لرعي أغنامهما، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً
مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا
خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
* فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ
إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص ٢٣/٢٤)
وروى أبو نُعيم في (حلية الأولياء) أن عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل فرآه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل آخر،
فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل
يأتيك؟ قالت: أنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال
طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع.
فمما لا شك فيه أن من اجل أبواب رقى المجتمعات
ودعائم تشييد الأمجاد والحضارات؛ إعلاء قيمة العمل الجماعي، والتعاون، والمشاركة
في خدمة المجتمع ؛ فالعمل الفردي مع مكانته إلا أن نتائجه
محدودة، وثماره معدودة، فمن سنن الله في الكون، أن تتفاوت قدرات
الناس وطاقاتهم، فان كان
في العمل الفردي انجازا، ففي الجماعي انجازات، وان كان في العمل الفردي فكرة، ففي
الجماعي أفكار وخبرات، كما أن في العمل الجماعي تنظيم للوقت وتوفير للجهد، وتسهيل للعمل،
وتقاسم للحمل .
ومن ينظر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، يجد كيف اهتم الإسلام بالدعوة
إلى العمل الجماعي خدمة للمجتمع، فلقد تنوعت أساليب الدعوة إلى العمل الجماعي،
إذ تجد الأمر صريحاً به كما في قوله تعالى (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الحج77) وقال جل وعلا ( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ
خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا
مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )البقرة 272) وقال
سبحانه( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم
بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا) آل عمران103) ويقول جل وعلا (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ) الانفال46)
كما أن الناظر في العبادات،
يجد حرص الإسلام على بث روح العمل الجماعي في القلوب؛ فالصلاة من شأنها اجتماع المسلمين في مكان
واحد، وفى وقت واحد، خلف إمام واحد، قبلتهم واحدة، ابتغاء وجه الله الواحد،ومع أن
صلاة الجماعة في هيئاتها لا تختلف عن صلاة الفرد، لكن لما لها من اثر في حث القلوب
على العمل الجماعي عظم الشرع أجرها ورفع درجتها، وحذر من التهاون بها؛ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " صلاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ من صَلاَةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ
وعِشرين دَرَجَة "متفق عليه) وعن أُبيِّ بن كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال
رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " صلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أَزْكى من
صلاتِه وحْدَه، وصلاتُه مع الرَّجُلينِ أزْكى من صلاتِه مع الرجُلِ، وما كثُرَ فهو
أحبُّ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ" رواه أبو داود والنسائي واحمد) كما أن الصدقة من
شأنها أن تبث روح التعاون والألفة بين إفراد المجتمع الواحد، إذ ترقق القلوب وتنزع
منها الأنانية ، وتدعو إلى التماسك والتراحم والمودة والمحبة ولا شك أن كل ذلك يبث
روح العمل الجماعي؛ وكذلك في الحج ترى المسلمون يجتمعون من جميع أقطار الأرض على اختلاف
ألوانهم وألسنتهم، في مكان واحد، بلباس واحد، ابتغاء وجه الله الواحد، قال تعالى (وَأَذِّن
فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ
فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج 27)
ومن يتأمل النداءات في القران الكريم، يجد
أن الله تعالى خاطب عباده بصيغ تحثهم على التماسك والوحدة والعمل الجماعي، فيقول تعالى:
(يا بني آدم) و ( يا أيها الناس) ومن ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنقَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
البقرة21) وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم
مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )النساء1) وقال جل وعلا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )الحجرات13) وقال سبحانه (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ
كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ
يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا ) الاعراف27) في دلالة قرآنية، وإشارة إلهية، إلى أهمية
العمل الجماعي والتعاون.
كما ضرب لنا القران أمثلة فيها الإشارة
إلى مكانة العمل الجماعي وأثره على الفرد والمجتمع؛ فها هو ذو القرنين مع ما أوتي من
قوة وشدة - إذ مكن الله له في الأرض وأتاه من كل شيء سببا - نراه مع قوته وشدته، لم
يستغن عن التعاون والاشتراك والعمل الجماعي، فهاهو يعطى القوم درسا مهما يشير إلى
مكانة وأهمية واثر المشاركة والتعاون والتحلي بروح العمل الجماعي؛ قال تعالى ( حَتَّىٰ
إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ
قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ
فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ
سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ
بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي
أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا
لَهُ نَقْبًا ) الكهف93-97)
إن مجالات العمل الجماعي ترتكز على فكرة
خدمة المجتمع وتقديم أعمال الخير بعيدا عن أهل الغلو والتطرف والهدم والتخريب؛ وذلك
امتداداً من المشاعر الدينية والوطنية وإلانسانية التي حثنا عليها ديننا الحنيف؛ فقد
قال الله تعالى ( فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ) البقرة ١٨٤)، وإن
من هذه المجالات مساعدة الفقراء والمحتاجين وتلبية حاجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب
وملبس ومسكن؛ وكذلك تقديم الخير للمجتمع كله بالمساهمة في إصلاح الطرق وبناء
المستشفيات والمساجد والمدارس وتجهيزها وإعداد الطلاب بالكتب والمراجع وإنشاء المكتبات
العلمية على اختلاف صنوف العلم، ونشر الأفكار الصحيحة ومناهضة الأفكار المغلوطة
والمتطرفة .
إن العمل الجماعي منهج نبوي، فها هو
سيدنا إبراهيم عليه السلام لما أمر ببناء الكعبة، طلب مِن ابنه إسماعيل أن يساعده على
تنفيذ هذا الأمر الإلهي، ويعينه في بناء الكعبة، استجابة لأمر الله جل وعلا ؛ فقال
له "يَا إِسْماعِيلُ إِنَّ اللَّه أَمرني بِأَمْرٍ، قَال: فَاصْنِعْ مَا أَمركَ
ربُّكَ؟ قَال: وتُعِينُني، قَال: وأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّه أَمرنِي أَنْ أَبْني
بيْتاً ههُنَا، وأَشَار إِلى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعةٍ عَلَى مَا حَوْلهَا فَعِنْد ذَلِكَ
رَفَعَ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبيْتِ، فَجَعَلَ إِسْماعِيل يَأتِي بِالحِجارَةِ، وَإبْراهِيمُ
يبْني حتَّى إِذا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذا الحجرِ فَوضَعَهُ لَهُ فقامَ عَلَيْهِ،
وَهُو يبْني وإسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَة وَهُما يقُولاَنِ:"ربَّنَا تَقَبَّلْ
مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".
ولقد كانت علامات السرور ظاهرة في وجه النبي
صلى الله عليه وسلم إذا ما شاهد الناس متعاونون بينهم يعلون من قيمة العمل الجماعي،
فعندما جاءه قوم تظهر عليهم علامات الفقر وشدة الحاجة، ماذا كان منه صلى الله عليه
وسلم ؟
يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه "
فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أي تغير
وجهه) لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ (أي من الفقر) ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ ،
فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) سورة
النساء آية 1) وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ ) سورة الحشر آية 18) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ
مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ، حَتَّى قَالَ : وَلَوْ بِشِقِّ
تَمْرَةٍ " ، قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ
تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ، قَالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ
كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً
فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ
أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ
وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ
أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " رواه البخاري
ومسلم )
وعلى هذا المنهج النبوي كان الصحابة رضي الله عنهم ومن ذلك ما كان منهم في أمر سلمان رضي الله عنه، عندما كاتب سيده، وكان فقيرا
لا يملك ما كاتب عليه، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للصَّحابة" أَعِينُوا
أَخَاكُمْ ". يقول سلمان رضي الله عنه " فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ ، الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ
وَدِيَّةً ( أي صغار النخل ) ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ
، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ ، يَعْنِي الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ
لِي ثَلاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا ( أي احفر لها موضع غرسها ) ، فَإِذَا فَرَغْتَ
فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ ، فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي
حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم مَعِي إِلَيْهَا : فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ ، وَيَضَعُهُ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ "
إن للعمل الجماعي مكانة كبيرة وأثرا
عظيما، ففيه تجسيد لمبدأ الأخوة والجسد الواحد الذي يشعر فيه الإنسان بفرح الآخرين
ويتألم فيه لألمهم، وقد قال
الله جل وعلا (وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة2) وعن أَبِي مُوسَى الاشعري ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ
كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا " ، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
، ..." رواه البخاري) وعَنْ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ
، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ
بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " رواه مسلم) ومن
ثم فإن العمل الجماعي باب عظيم لنشر الود والمحبة والألفة بين أفراد المجتمع ؛ كما انه باب عظيم للقضاء على الأنانية والأثرة وحب الذات ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ
لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " كما
أن الواقع ينادينا أن من أعظم أسباب تقدم المجتمع أن يشارك الجميع في تقدمه ورفعته،
ولقد قال الله جل وعلا (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ )البقرة 197) ويقول سبحانه وتعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى
اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )التوبة 105) .
(نسأل الله أن يحفظ مصر وجيشها من كل مكروه وسوء)
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس