recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان : الآداب والحقوق العامة للمجتمع وأثرها في رقيه وبناء حضارته - للشيخ / محمد حســـن داود

خطبة بعنـــــــوان :
الآداب والحقوق العامة للمجتمع
 وأثرها في رقيه وبناء حضارته
للشيخ / محمد حســـن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا

الموضــــــوع :  الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  ) الحج77) وقال جل وعلا (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) البقرة 83) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" رواه أحمد ) وقال أيضا " مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " رواه الترمذي ) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

إن من الأمور العظيمة التي دعا إليها الإسلام وحث على فعلها؛ تحسين الخلق وتهذيبه، والاعتناء بكل أدب والتزامه، قال تعالي ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ الشمس٧-١٠) وهاهو من اتصف بقمة الكمال الإنساني وغاية النبل البشري، المصطفى صلى الله عليه وسلم، يعلن للعالم كله الغاية من هذه الرسالة فيقول" إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" رواه أحمد ) ولقد مدح الله جل وعلا نبيه بحسن الأخلاق فقال جل وعلا ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾القلم4) فكان خلقه صلى الله عليه وسلم الذي يتخلق به، وأدبه الذي يتأدب به هو القران الكريم كما في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن خُلقه صلى الله عليه وسلم قالت: " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ". ومن الآداب العامة التي دعانا إليها الإسلام وحثنا عليها :
- إفشاء السلام : فهو التحية التي شرعها الله لعباده في الدنيا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلَمَّا خَلَقَهُ ، قَالَ : اذْهَبْ ، فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا : السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ " رواه البخاري ) وهو تحية أهل الجنة، قال الله تعالى ( وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ )الاعراف46) وهو باب إلى نشر المحبة والمودة والألفة وسلامة الصدر ونزع الحقد والغل والكراهية من الصدور ، وباب إلى مغفرة الذنوب ودخول الجنة فقد قال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ موجِباتِ المغفرةِ بذلُ السلامِ ، وحُسْنُ الكلامِ " . وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قَالَ " إِنَّ في الْجَنَّةِ غُرَفَا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلامَ،  وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رواه ابن حبان) ومن آداب إفشاء السلام : أن يكون بصوت مسموع يسمعه اليقظان ولا ينزعج منه النائم، فعند مسلم عن المقداد رضي الله عنه في حديثه الطويل أنهم كانوا يرفعون للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن، قال : فَيَجِيءُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ ... ".ومنه البشاشة وطلاقة الوجه عند السلام؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ " رواه مسلم) ومنه أن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والصغير على الكبير، والقليل على الكثير؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ" رواه مسلم) ومنه تعميم السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ: " تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ " رواه البخاري) ومنه رد التحية بمثلها أو أفضل منها؛ فقد قال تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) النساء 86) فيما يجب أن نشير إلى أن السلام معناه أوسع واشمل من التحية باللسان، بل ومنه حفظ حقوق الناس وعدم التعدي عليها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " وَالْمُسْلِمُ : مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" رواه احمد)
- حسن الكلام : فقد قال الله جلا وعلا (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) البقرة 83)وقال عز وجل (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ) الإسراء53) فمن أراد لنفسه فوزا وفلاحا ،ولعمله قبولا وصلاحا ،ولذنبه غفرانا ، فعليه بحفظ اللسان فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ" رواه البخاري) إذ أن حسن الكلام من علامات الإيمان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"متفق عليه) سبيل صلاح الأعمال، ومغفرة الذنوب قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) الأحزاب .70/71) وقاية لصاحبه من النار، فعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " البخاري)
وان من حسن الكلام الالتزام بأدب الحوار من إصغاء وإنصات إلى من يتكلم، والالتزام بالهدوء، ومن حسن الكلام البعد عن المماراة والجدل الذي لا طائل تحته ولا فائدة من ورائه فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ ، وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ " رواه أبو داود) ومن حسن الكلام البعد عن الصخب، فلما سئلت السيدة عائشة عن خلق النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت " لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ " رواه الترمذي) كما أن من حسن الكلام التواضع فيه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم" ومَا تواضعَ أحَدٌ للهِ إلا رفعهُ اللهُ " رواه مسلم)
- إكرام الضيف: فهو مكرمة من مكارم الأخلاق، وخصلة من خصال الخير، وخلق من أخلاق الإسلام، يدل على سماحة في النفس، وكرم في الطبع، وشهامة ومروءة، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا "مستدرك الحاكم ) ويقول أيضا" ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" ومن ينظر الآيات والأحاديث يرى أن إكرام الضيف من أخلاق الأنبياء، يقول الله جل وعلا عن إبراهيم عليه السلام (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ )الذاريات24) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ " وهاهي السيدة خديجة رضي الله عنها، تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم وجوده وكرمه فتقول " إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " ولعل من أعظم فضائل إكرام الضيف انه باب إلى نشر المودة والمحبة ونزع الأنانية من الصدور غير انه طريق إلى الجنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرْفَةً ، قَدْ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَلانَ الْكَلامَ ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رواه بن خزيمة)
- الاستئذان : ففي تشريع هذا الأدب ودقة تنظيمه ما يدل على عظمة هذا الدين الذي عني أشد العناية بخصوصية الناس، قال تعالى (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور27/28) ولقد علمنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كيفيةَ الاستئذان ، فعَنْ رِبْعِيِّ بنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أنَّ رجلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِه، فَقَالَ أَأَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ " اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاِسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ "  فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ " رواه احمد وأبو داود) وعليه فإن من آداب الاستئذان؛ القاء السلام، وكذلك المستأذن بنفسه، فعن جَابِر رضي الله عنه قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِى ، فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ : " مَنْ ذَا " ، فَقُلْتُ : أَنَا ، فَقَالَ : " أَنَا ، أَنَا " ، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا " متفق عليه) ومنه أيضا غض البصر فعَنْ هُزَيْلٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُ ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، مُسْتَقْبِلَ الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " هَكَذَا عَنْكَ ، أَوْ هَكَذَا ، فَإِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ النَّظَرِ " رواه أبو داود) ومنه قرع الباب برفق ولين، وان كان نداء فمن غير إزعاج أو إيذاء ، ومن تمامه أن يكون الاستئذان ثلاثا فان لم يؤذن للمستأذن رجع؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ؛ فَلْيَرْجِعْ "رواه البخاري ومسلم )
- التحلي بآداب الطريق فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ " ، قَالُوا : وَمَا حَقُّهُ ؟ ، قَالَ : " غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " رواه مسلم ) ويقول صلى الله عليه وسلم " نَزَعَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَط غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ إِمَّا كانَ في شَجَرَةٍ مُقَطَّعَةٍ فَأَلْقَاهُ، وَإِمَّا كانَ مَوْضُوعًا فَأَمَاطَهُ فَشَكَرَ الله لَهُ بِهَا فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ " رواه  البخاري ومسلم) وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ، قَالَ : أَمِطِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ " الأدب المفرد للبخاري) و عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ". رواه الطبراني) كما أن من آداب الطريق إرشاد الضال سواء بالوصف أو بإرسال من يدله معه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ" ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا"، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: "غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِرْشَادُ الضَّالِّ".
- النظافة : فكما اهتم الإسلام بطهارة الباطن اهتم بنظافة الظاهر وطهارته ، قال تعالى ( يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ ) المدثر1-5) وفى الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ " وعن حالِ أهلِ الجنّة يقول الله جل وعلا (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) الإنسان11/12) إذ جمل وجوههم بالنضرة، وبواطنهم بالسرور، وأبدانهم بحسن الثياب . ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالنظافة ودعوته إليها أن حث على نظافة الملبس: فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا عليه ثياب وسخة قال " أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهُ ؟ " وحث على نظافة البدن: فعَنْ جابر قَالَ : أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ زَائِرًا فِي مَنْزِلِي فَرَأَى رَجُلاً شَعِثًا ، فَقَالَ : " أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ ؟ ..." رواه أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم) ومنه نظافة الأسنان والفم بالسواك أو الفرشاة والمعجون؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ." رواه البخاري ) ومنه التنزه من البول ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اِسْتَنْزِهُوا مِنْ اَلْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ اَلْقَبْرِ مِنْهُ "ومنه التخلص من الروائح الكريهة والتطيب والاتيان بسنن الفطرة فقد قال انس ابن مالك رضي الله عنه " وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَنَتْفِ الإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " رواه مسلم ) ومنه نظافة البيوت والمساجد : فقد قال صلى الله عليه وسلم " طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ " رواه الطبراني).
- عدم ترديد الشائعات أو إذاعتها والخوض فيها مع الخائضين، لأن في ترديدها انتشار لها ومساهمة في ترويجها من حيث تدري أو لا تدري، وذلك فيه مساعدة المغرضين وأصحاب الأهواء والأعداء والعملاء، والمنافقين؛ للوصول إلى غايتهم الدنيئة من كسر التآلف والتكاتف وإثارة الأحقاد ونشر الظنون السيئة، وترويج السلبيات بين أبناء المجتمع وخلخلة الصفوف وإضعاف تماسكها، ولقد قال الله جل وعلا (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)النور15) ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا, وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالَ" رواه مسلم) ومن ثم فالواجب على كل مخلص لوطنه أن يحذر الوقوع في مخالب الشائعات فليكن منهجه في حديثه قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه) وليكن منهجه في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6).
- الحفاظ على الماء: فلعظيم قدره وجليل أمره حفل القرآن الكريم بذكره والتنويه بشأنه في أكثر من ستين موضعا في القران الكريم، فهو مصدر الحياة، قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )الانبياء30) ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حفيا بهذه النعمة يعظمها ويشكرها، فعَنْ ‏‏أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ‏‏قَالَ :‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ ‏: ‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى ،‏‏ وَسَوَّغَهُ ،‏ ‏وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا " رواه أبو داود ) فحرى بهذه النعمة، أن تكون موجبة للشكر بالقول والعمل، وان من شكر الله تعالى علي هذه النعمة، الحفاظ عليها بحسن التصرف فيها، ومن ذلك الاقتصاد والترشيد في استعمالها وعدم الإسراف فيها ؛ ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل اغتسل بالقليل، وإذا توضأ توضأ باليسير فعن انس رضي الله عنه قال " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ ، بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ " رواه البخاري ) (الصاع أربعة أمداد، والمد ملء اليدين المتوسطتين) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ ، فَقَالَ : " مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ، قَالَ : " نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ " رواه احمد) فإذا كان الاقتصاد في استعمال الماء في العبادة مطلوبا وعملا مرغوبا؛ فالاقتصاد في غير العبادة أولى ، وإن كان الذي يغرف منه نهرا أو بحرا، بل وعدم إهداره فيما لا فائدة منه ولا طائل أولى وأولى، فمن جار أو تجوز في استخدامه فوق الحاجة أو في غير ما خصص له إنما يعتدي على حقوق غيره .
- توقير الكبير ورعاية حقوقهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ "رواه أبو داود)
- رعاية الضعفاء وذوى الاحتياجات الخاصة : فطوبى لمن جعله الله تعالى في قضاء حوائج؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ " رواه مسلم).
هذه كانت جملة من الآداب والحقوق العامة للمجتمع والتي يجب علينا أن نتحلى بها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ"  رواه الترمذي وقال حسن) فالتحلي بالآداب العامة دليل على الرقى وحسن الطباع وهو باب إلى التقدم والازدهار ، وكفي في فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " رواه الترمذي ) ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم " فَمَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ ؟ ، قَالَ : " أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا " رواه الطبراني)


( نسأل الله أن يهدنا إلى أحسن الأخلاق ، وان يصرف عنا سيئها )

===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس

google-playkhamsatmostaqltradent