خطبة بعنـوان :
النفـــاق والخيـــانـة
وخطرهما على الأفراد والدول
للشيخ / محمد حســـن داود
النفـــاق والخيـــانـة
وخطرهما على الأفراد والدول
للشيخ / محمد حســـن داود
الموضـــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (بَشِّرِ
الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )النساء١٣٨﴾ وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف" أَرْبَعٌ
مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ
كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ،
وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " ويقول أيضا " تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ
يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ،
وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ "رواه البخاري) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الإسلام بما فيه صلاح الفرد والمجتمع،
فهو دين يجمع ولا يفرق، يبنى ولا يهدم، يعمر ولا يخرب، يجمع كل القيم والمثل الإنسانية،
يدعو إلى فضائل الأخلاق، وينهى عن ذميمها، فما من خصلة من خصال الخير؛ إلا وأمر بها؛
وحث عليها، وما من خصلة من خصال الشر؛ إلا ونهى عنها وحذر منها، فقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ
الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا " مستدرك الحاكم ) ومن الخصال الذميمة
بل ومن الأمراض الخطيرة التي نهى عنها الإسلام وحذر منها " النفاق، والخيانة
" .
فالنفاق خلق ذميم ووصف قبيح، داء عضال ومرض
خطير، هو رأس الرذائل، ومجمع المساوئ، إن أصاب قلبا أمرضه، وكان دليلا على سوء الطوية،
وانحطاط الهمة، وسقوط المنزلة، إن أصاب أسرة فرقها، وإن أصاب مجتمعا أوهنه، وهدد
أمنه واستقراره، فلسوء عواقبه ذمه الله جل وعلا كما ذم أهله، وتوعدهم بالخزي والعذاب
الأليم، فيما يقرب من ثلاثمائة وأربعين موضعا من القران الكريم، ليكون الناس منهم على
حذر؛ بل وأهتم بذلك اهتماما بالغا حتى أفرد سورة سماها باسمهم (وهى سورة المنافقون)
ولما ذكر المؤمنين في صدر سورة البقرة ذكرهم في أربع آيات، وذكر الكفار في آيتين، بينما
ذكر المنافقين في ثلاث عشرة آية، إشارة إلى خطورة أقوالهم وأفعالهم على الفرد
والمجتمع، وأيضا سوء مصيرهم.
والنفاق نوعان: احدهما النفاق ألاعتقادي:
وهو النفاق الأكبر؛ وحقيقته: أن يظهر الإنسان الإسلام ويبطن الكفر.
وثانيهما: النفاق الأصغر، أو النفاق العملي؛ وهو
العمل بشيء من أخلاق المنافقين، والتلبس ببعض صفاتهم ،كما قال عليه الصلاة والسلام
" وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ (اى من خصال النفاق) كَانَتْ فِيهِ
خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا " ومع أن هذا النوع من النفاق لا يخرج
صاحبه عن دائرة الإسلام بالكلية، لكنه باب إلى النفاق الأكبر إذا أصر صاحبه عليه وأكثر
من الاتصاف والتخلق به.
ولقد كان السلف
الصالح رضي الله عنهم، يخافون النفاق ويشتد قلقهم منه، فقد اخرج البخاري، تعليقا ،
عن بن أبي مُلَيْكَةَ قال " أدركتُ ثلاثينَ مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله
عليه وسلم، كُلّهُم يخافُ النفاقَ على نَفسِه " ولنرى هذا سويا فيما جاء عَنْ
حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ- وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ:
قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ،
حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا
كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ
أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - " وَمَا ذَاكَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ،
تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا
مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ
لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ
عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً
" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )رواه مسلم) و عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ
عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ مَنْزِلَهُ بِحِمْصَ ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي
مَسْجِدِهِ ، فَلَمَّا جَلَسَ يَتَشَهَّدُ ، جَعَلَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ النِّفَاقِ
، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، قُلْتُ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا
أَنْتَ وَالنِّفَاقُ ؟ قَالَ : " اللَّهُمَّ غَفْرًا ، ثَلاثًا ، مَنْ يَأْمَنُ
الْبَلاءَ ؟ مَنْ يَأْمَنُ الْبَلاءَ ؟ وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْتَتَنُ فِي
سَاعَةٍ فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِينِهِ " شعب الايمان للبيهقي) وعَنْ حُذَيْفَةَ
- رضي الله عنه - قَالَ: دُعِيَ عُمَرُ، لِجِنَازَةٍ، فَخَرَجَ فِيهَا أَوْ يُرِيدُهَا
فَتَعَلَّقْتُ بِهِ فَقُلْتُ: اجْلِسْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ مِنْ
أُولَئِكَ، فَقَالَ: " نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَنَا مِنْهُمْ " ، قَالَ:
" لَا وَلَا أُبَرِّئُ أَحَدًا بَعْدَكَ " مسند البزار)
ومن ثم فللنفاق
علامات وأمارات تدل عليه، من ذلك ما ورد في الصحيحين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ:"
إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " وما
جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ
فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا:
إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ
فَجَرَ " .
- ومن ذلك يظهر لنا أن من خصال النفاق
" الكذب " في الأقوال والأخبار، قال تعالى ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ ﴾المنافقون1) فما ذكر النفاق في القرآن إلا وذكر معه الكذب، إشارة إلى
أن الكذب ركن ركين من أركان النفاق، قال تعالى (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا
وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
﴾البقرة9/10) يقول الحسن البصري رحمه الله " الكذب جماع النفاق ". و قال
الإمام الماوردي " والكذب جماع كل شرٍّ وأصل كل ذمٍّ لسوء عواقبه وخبث نتائجه
" ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ونهى عنه وبين عواقبه، فعنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ
الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى
الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ
الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا
يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ
كَذَّابًا " متفق عليه) يقول الشاعر :
وَمَا شَيْءٌ إِذَا فَكَّــــــرْتَ فِيْهِ***
بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوْءَةِ وَالْجَمَال
مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيْهِ *** وَأَبْعَد بِالْبَهَاءِ مِنَ الرّجَال
مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيْهِ *** وَأَبْعَد بِالْبَهَاءِ مِنَ الرّجَال
ولا شك أن من الكذب، إشاعة الأقوال المختلقة، وترويج
الأكاذيب والافتراءات، والأباطيل، إذ أن اختلاق الشائعات والأراجيف سلاح لا تراه إلا
بيد المغرضين وأصحاب الأهواء والأعداء والعملاء، وأهل النفاق؛ غايتهم منها كسر التآلف
والتكاتف ونشر الظنون السيئة، وترويج السلبيات بين أبناء المجتمع، فلزم علينا الحذر
من نقل الشائعات حتى لا نكون عونا لهم على سوء فعلهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" فليكن
منهج كل واحد منا عند الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" وليكن منهج
كل واحد منا في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى
مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6)
- ومن خصال النفاق " خلف الوعد"،
قال تعالى ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ
وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى
يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
﴾التوبة 75 – 77) فخلف الوعود عمدا دون أعذار، من خصال النفاق، بينما الوفاء بالعهود
والوعود ،من صفات أهل الأيمان، قال تعالى في وصفهم﴿ وَالْمُوفونَ بعَهْدِهِمْ إِذا
عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾البقرة 177) بينما قال النبي صلى
الله عليه وسلم في أهل الغدر وخلف الوعد ونقض العهد " إِنَّ الْغَادِرَ يَنْصِبُ
اللَّهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ أَلَا هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ
" لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ " رواه احمد)
إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضــــةٌ
*** واللؤمُ مقرون بذي الإخلافِ
وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا *** وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ
وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا *** وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ
- ومن خصال النفاق " الخيانة
" على اختلاف ألوانها وصورها ، فما ظهرت الخيانة في قوم إلا وأذنت عليهم بالفرقة
والتقاطع والتنازع، ولرحلت الثقة والمودة، ولانقطع المعروف بين الناس، فكان التحذير
منها والدعوة إلى الترفع عنها، حفاظا على المجتمع وتوطيدا لأواصر المحبة والألفة، قال
تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )الأنفال27) وقال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء 58)وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ"
وكما مدح القران أهل الإيمان بأداء الأمانة، ووصفهم بأنهم أهل الفلاح في الدنيا
والآخرة فقال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ
هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ
يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾المؤمنو8-11) وقال سبحانه ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ
قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ المعارج
32-35) ذم النبي صلى الله عليه وسلم أهل الخيانة فقال" لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا
أَمَانَةَ لَهُ " رواه احمد)
- ومن خصال النفاق" الفجور في الخصومة
" ، فترى من كان فيه تلك الخصلة يخاصم بالباطل، ويجادل بالباطل، ويختلق الأكاذيب،
ويفشي الأسرار، ويدعي ما ليس له، أو يجحد ما كان عليه، ولقد جاء عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ
أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ " رواه البخاري ومسلم)
- ومن علامات النفاق الكسل عند أداء العبادة،
والرياء عند فعلها قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ
وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا )النساء142) وعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، قَالَ : خَرَجَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ
إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا شِرْكُ
السَّرَائِرِ ؟ قَالَ : " يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ
جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ
" رواه بن خزيمة) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إنّ أَوّلَ النّاسِ
يُقْضَىَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ
نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ
اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ
قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ
تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ
فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ
وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ
عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ
بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ وَسّعَ الله
عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ
فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ
أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ فَعَلْتَ
لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ،
ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ" رواه مسلم)
- ومنها أيضا الأمر بالمنكر و النهي عن
المعروف قال تعالى( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ
فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ التوبة67 ) وقال سبحانه﴿ هُمُ
الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا
وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)
المنافقون7) وقال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ
وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) النساء61)
- ومن أمارات النفاق
" الإفساد في الأرض باسم الدين وادعاء الإصلاح " فقد ابتليت الأمة بجماعات
إرهابية متطرفة، سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان، يفسدون في الأرض، يخونون الأمانات،
يكذبون قولا وفعلا، يخلفون الوعود، ينقضون العهود، لا يعرفون وفاء للوطن ولا للناس،
بل اعتدوا وسعوا بالفساد، احترفوا النفاق فتدثروا بثياب الدين، لتحقيق غاياتهم الدنيئة،
والدين من أفعالهم براء، يدعون إلى التخريب والتدمير والفوضى واستباحة الدماء والأعراض
والأموال،( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ
تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) ومع هذا تراهم يقدمون أنفسهم على أنهم أهل
الصلاح، والإصلاح والفضيلة ويدعون أنهم يمثّلون التقى والورع، ويعطونك الأيمان المغلظة
على هذا ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ
سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )المنافقون 2) وإن تقف على حقيقة دعواهم ترى فيها الدعوة
إلى الفرقة والتشرذم واستباحة الحرمات وإشاعة الفوضى والتخريب والتدمير ( هُمُ الْعَدُوُّ
فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) المنافقون4) هؤلاء ذمهم الله
عز وجل في كتابه وحذر من السعي على نهجهم أو الاصطفاف في صفوفهم أو الميل لهم باى صورة
كانت فقال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى
سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ
لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ
بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ )البقرة 204-206) يحسبون أنهم
بمأمن من عذاب الله جل وعلا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " مَا مِنْ ذَنْبٍ
أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا
مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ " رواه الطبراني )وفى رواية الترمذي
" مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " فلقد توعدهم الله بالعذاب في الدنيا
كما توعدهم به في الآخرة (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى
اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)الشعراء88) (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ
لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ
فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ
وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ الحديد13) قال تعالى (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ
بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )١٣٨ النساء﴾ويقول جل وعلا (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) النساء140) وقال تعالى
( وَمِمَّنْ
حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى
النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ
يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ )الاعراف101) ويقول جل وعلا﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
فِي الدَّرَكِ الأَسْفلِ مِنَ النَّارِ وَلن تجدَ لهُمْ نَصِيراً * إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء
145/146)
فاحذروا النفاق،
وجنبوا أنفسكم خصاله؛ اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم،
كونوا في خدمة وطنكم، واعلموا أن الله مطلع على ظواهركم وبواطنكم،لا ينظر إلى صوركم
وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .
( نسأل الله أن
يطهر قلوبنا من النفاق، وألسنتنا من الكذب،
وان يحفظ مصر وجيشها وأهلها من كل مكروه وسوء )
وان يحفظ مصر وجيشها وأهلها من كل مكروه وسوء )
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس