خطبة
بعنوان :
واجب المُعَلم والمُتَعلم
للشيخ / محمد حســـــن داود
واجب المُعَلم والمُتَعلم
للشيخ / محمد حســـــن داود
العناصــــر :
- مكانة العلم ودرجته في الإسلام .
- اهتمام الإسلام بالعلم .
- فضل العلم والعلماء .
- أثر العلم على الفرد والمجتمع .
- دعوة إلى طلب العلم والتحلي بآدابه .
الموضوع:
- مكانة العلم ودرجته في الإسلام .
- اهتمام الإسلام بالعلم .
- فضل العلم والعلماء .
- أثر العلم على الفرد والمجتمع .
- دعوة إلى طلب العلم والتحلي بآدابه .
الموضوع:
الحمد لله رب
العالمين، رفع شأن العلم فأقسم بالقلم، وامتن على الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم؛
قال تعالى ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
* خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) سورة
العلق1-5) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا
عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " وإنَّ
الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا
وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ
وَافِرٍ" رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى
آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
لقد اهتم الإسلام بالعلم اهتماما بالغا، فهو من المصالح الضرورية والحاجات
الملحة التي عليها تقوم حياة الأمة، وبه يستقيم حالها، ويصلح أمرها ويقوى شانها، وتبنى
حضارتها، وإن شئت فقل إن حاجة الأمم إلى العلم لا تقل شأنا عن حاجتها إلى الطعام والشراب
والملبس والمسكن؛ ومن ثم فليس عجبا أن تكون أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه
وسلم تدعو إلى العلم والمعرفة، وتهتم بوسائله وأدواته، قال تعالى ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ
مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ
* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) العلق1-5)
كما سمى المولى جل وعلا سورة كاملة باسم القلم، واستهلها بقوله تعالى (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) القلم1) كما ذكر
لفظ " العلم " بمشتقاته في القران الكريم، أكثر من سبعمائة وستين مرة"
وفى هذا كله إشارة عظيمة إلى مكانة العلم ودرجته.
فلأهمية العلم ومكانته وفضله، كان من تكريم الله لأنبيائه ورسله، فهذا
خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه ( يَا أَبَتِ
إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا
سَوِيًّا) مريم 43) وهذا يوسف الصديق عليه السلام يقول لصاحبيه ( ذَٰلِكُمَا
مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) يوسف 37) وهذان نبيا الله، داود وسليمان عليهما السلام،
يقول عنهما ربنا جل وعلا (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ
عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ)النمل 15) وفي معرض المن بالفضل على سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم يقول جل وعلا ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
عَظِيمًا ﴾ النساء من الآية 113)، وعن بعثته صلى الله عليه وسلم يقول المولى
جل وعلا (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا
مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )الجمعة2) وما
زال الإسلام يؤكد على العلم والتعلم حتى انك لن تجد أن الله تعالى أمر بالاستزادة من
شيء كما أمر بالاستزادة من العلم؛ قال تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ) طه114)
حتى في حالة الحرب لم يهمل الإسلام العلم، فقد قال تعالى (وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ
طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ
إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )التوبة122) لهذا وغيره، قال الإمام الشافعي
رضي الله عنه " إِنَّ الاِشْتِغالَ بِطَلَبِ العِلْمِ أَفْضَلُ ما تُنْفَقُ فِيهِ
نَفائِسُ الأَوْقاتِ ". أفضل من نوافل العبادات البدنية لأن نفع العلم يعم صاحبه
والناس وأما النوافل البدنية فمقصورة على صاحبها، ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات
فهي تفتقر إليه وتتوقف عليه ولا يتوقف العلم عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم
الصلاة وأتم التسليم وليس ذلك للمتعبدين غير العلماء، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت
صاحبه، ولان العلم فيه حياة المجتمعات وتقدمها ورقيها، لهذا ولغيره الكثير، قالَ النبي
صلى الله عليه وسلم، لِأَبِي ذَرٍّ فِيما رَواهُ ابْنُ ماجَه " يَا أَبَا ذَرٍّ لأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا
مِنَ العِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ " ( أَيْ
مِنَ النَّوافِل).
إن الناظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه
وسلم ليجد مدى اهتمامه بالتعليم ودعوته إليه، ففي بدر جعل فداء كل أسير من أسرى بدر
ممن يحسنون القراءة والكتابة، أن يعلم عشرة من أبناء الأنصار؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَسْرَى
يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ " فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ"
رواه احمد) كما كان صلى الله عليه وسلم يعطي الكبار نصيبهم من التعليم، فقد حَدَّثَ صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ ، قَالَ: أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ مُتَّكِئٌ
عَلَى بُرْدٍ لَهُ أَحْمَرَ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ
الْعِلْمَ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ". كما كان صلى الله
عليه وسلم يخصص للنساء مجالس للعلم، فعن أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ ، فَاجْعَلْ لَنَا
مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا ، نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ ،
فَقَالَ : اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا ، فَاجْتَمَعْنَ
فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا
عَلَّمَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
إن للعلم منزلة عالية رفيعة ويكفي على ذلك
دليلا أن من لا يحسنه يفرح به إذا نسب إليه، يقول الإمام على ابن أبى طالب رضي الله
عنه " كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهِ مَنْ لا يُحْسِنُهُ، وَيَفْرَحُ
إِذَا نُسِبَ إِلَيْه، وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ
فِيهِ " ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "
لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ
فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا"
متفق عليه) فالعلم اغلي وأطيب ما يجمعه الإنسان؛ ولهذا قال الإمام على ابن أبى طالب
رضي الله عنه " العلم خيرٌ من المال؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه
النفقة والعلم يزكو بالإنفاق" وما زال القران الكريم، يؤكد على مكانة العلم حتى
عبر عنه بالسلطان، فقال تعالى (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ
فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ
الَّذِينَ آمَنُوا )غافر35) وقال تعالى ( إِنَّ
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي
صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ )غافر56) والعلم ميراث النبوة؛
ففي الحديث " وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ،
وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا
الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ:
"يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا: هُرَيْرَةَ؟
قَالَ: ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَا
هُنَا لا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ:
فِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ
لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ
فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ
لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟ قَالُوا: بَلَى،
رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ
الْحَلالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ
مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم" رواه الطبراني في الأوسط) .
إن للعلم أثرا طيبا على الفرد والمجتمع؛
فبه تتفاضل الناس، كما تتفاضل به الأمم؛ فقد قال تعالى ﴿قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) سورة الزمر9)
قال عبد الملك بن مروان لبنيه: "يا بَنيَّ: تعلَّمُوا العلم؛ فإن كنتم سادةً فُقْتُمْ،
وإن كنتم وسَطاً سُدْتُم، وإنْ كُنتُم سُوقَةً عِشتُم". ولله در القائل :
العلم يرفع بيوتا لا عماد لها *** والجعل
يهدم بيوت العز والكرم
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ
يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ:
لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ
مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رُئِيتُ
أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ)النصر1)
؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا،
وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ
تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: "هُوَ
أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ" ، قَالَ:
( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ) النصر1)
"وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ" ، (فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) النصر3) ، فَقَالَ
عُمَرُ: "مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ" البخاري)
فلقد بين القرآن الكريم مكانة من سلكوا
طريق العلم ، فقال الله سبحانه وتعالى ( يَرْفَعِ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)المجادلة 11) وقال أيضا (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ )الزمر9)
كما ذكر الله تعالى العلماء بعد ذاته العلية وملائكته في أعظم شهادة وأقدسها، قال سبحانه
( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ
وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ
)آل عمران 18) والعلماء هم من فازوا بالخيرية التي ذكرها النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في قوله " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْراً
يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ "رواه البخاري) فمن سلك طريقا يبتغى فيه علما
سلك الله به طريقا إلى الجنة، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ
اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا
رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ " كما أن العلماء يستغفر لهم من في السماوات
ومن في الأرض ؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ"، كما يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مقام
العالم من العابد فيقول " وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ
الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ " ومع كون هذه المقارنة عظيمة ، إلا أن
هناك مقارنة أعظم، ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا : عَابِدٌ وَالْآخَرُ
عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضْلُ
الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ " ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ
لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ" رواه الترمذي وقال
: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) كما أن الناظر في سنة المصطفى صلى الله عليه
وسلم يجد أن اجر العالم لم يقف عند حياته بل يمتد إلى ما بعد موته ، فقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم "مَن دَعَا إلى هُدَى كانَ لـَهُ
مِنَ الأجْرِ مِثلُ أُجُورِ مَنْ تبعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أجُورِهِم شَيئْاً"
رواه مسلم) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا مَاتَ
الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ
يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ"رواه الترمذي وقَالَ هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
مَا الْفَضْلُ إِلا لأَهْلِ الْعِلْـمِ
إِنَّهُــمُ *** عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْـدَى أَدِلاَّءُ
فَفُـزْ بِعِلْمٍ وَلا تَطْلُبْ بِـهِ بَـــــدَلاً *** فَالنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَـاءُ
فَفُـزْ بِعِلْمٍ وَلا تَطْلُبْ بِـهِ بَـــــدَلاً *** فَالنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَـاءُ
إن العلم من مقومات الحياة في المجتمع:
فلا يمكن أن تبنى حضارة دون أن يكون أحد أركانها العلم ؛ فبالعلم تتطور الأمم والمجتمعات
وتنهض وتتقدم؛ وإن الناظر في تاريخ الأمم، قديمها وحديثها، يلاحظ أن تحضرها ورقيها
كان مرتبطا بالعلم ارتباطا وثيقا؛ فالعلم ابتكار، وتطوير للصناعة والزراعة والصحة والطب
والهندسة وغير ذلك من المجالات والتخصصات التي يحتاجها المجتمع ، ومن ثم فليعلم كل
منا أن طلب العلم لا يقف عند العلوم الشرعية فحسب بل إن المجتمعات تحتاج إلى كل علم
نافع في جميع المجالات التي فيها مصلحة البشرية، وتيسير أمور حياتها؛ كالطب والهندسة
والكيمياء، والرياضيات، والميكانيكا، وعلوم الحاسوب والتكنولوجيا، والبناء، والملاحة
... الخ ؛ فها هو صلى الله عليه وسلم يأمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية لما فيه
من مصلحة؛ فعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ :
" أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ
لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ
عَلَى كِتَابٍ ، قَالَ : فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ ، حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ
، قَالَ : فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ
، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ " رواه الترمذي
) وحينما مدح الله تعالي داود وسليمان في القران بالعلم فقال( لَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ
) النمل 10) لم يقتصر هذا على الدين فحسب؛ بل كان منه صناعة الحديد ومنه منطق
الطير كما قال تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ
إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) النمل16) كما أن قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر28) جاء في معرض الحديث عن العلوم الكونية إذ
يقول الله جل وعلا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر 27/28) مما يدل على اهتمام الإسلام ودعوته إلى
العلم النافع في جميع المجالات .
فحرى بالآباء والأبناء الاهتمام بالعلم فهو سبيل التقدم والرقى، كما
ينبغي للعالم والمتعلم التزين بحسن الأخلاق والتحلي بحسن السلوك ؛ ومن ذلك :
الإخلاص: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ ،
أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه ، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ" رواه أبو
داود) ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لا تَتَعَلَّمِ العِلْمَ لثلاثٍ ...
لا تَتَعَلَّمْهُ لتَتَمارَى بهِ، ولا لِتُبَاهِيَ بهِ، ولا لِتُرَائِيَ بهِ " وقال يحيى بن
معاذ رحمه الله تعالى: " إنَّما يذهبُ بَهاءُ العِلْمِ والحكمةِ إذا طُلِبَ بِهِما
الدَّنْيَا ".
التواضع: قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه "تعلَّموا
العلم، وعلِّموه النَّاس، وتعلَّموا له الوَقَار والسَّكينة، وتواضعوا لمن يعلِّمكم
عند العلم، وتواضعوا لمن تعلِّموه العلم " شعب الإيمان للبيهقي)
السكينة والوقار؛ فقد كتب مالك إلى الرشيد " إذا علمت علمًا
فَلْيُرَ عليك علمه وسكينته وسمته ووقاره وحلمه لقوله صلى الله عليه وسلم " العلماء ورثة الأنبياء ". وعن ابن وهب قال : سمعت مالكاً يقول " إنَّ حقَّاً على
من طلب العلم أن يكون له وقارٌ وسكينة وخشية ، وأن يكون مُتَّبِعَاً لأثر من مضى قبله
"
كما ينبغي للمعلم أن يرغب المتعلم في العلم، بذكر فضائل العلم في
الدنيا والآخرة، وبسهولة الإلقاء وطلاقة الوجه .
كما ينبغي أن يحرص المتعلم على التعلم والتحصيل: فلقد قيل "
العلم لا تعطيك بعضه حتى تعطيه كلك "
كما يجب على المتعلم: توقير المعلم واحترامه : قال الحسن بن علي رضي الله عنهما :
" يا بني، إذا جالستَ العلماء فَكُنْ على أن تسمعَ أحرصَ منكَ على أن تَقُول،
وتَعَلَّمْ حُسْنَ الاستماعِ كما تَتَعلَّم حُسْنَ الصَّمْتِ، ولا تقطعْ على أحدٍ حديثه
وإنْ طَالَ حتى يُمْسِك ". فينبغي على المتعلم إن يعرف للمعلم فضله، قال شعبة ابن الحجاج " كنت إذا سمعت من الرجل الحديث، كنت
له عبدا ما حيى" ويحفظ له غيبته ويعظم حضرته؛ فلقد اثر عن الإمام الشافعي قوله " كنت أصفح الورقة بين يدي مالك
صفحاً رفيقاً، هيبة له لئلا يسمع وقعها ". وقال الربيع (صاحب الشافعي ) " والله ما اجترأت اشرب الماء
والشافعي ينظر إلي؛ هيبة له"، ولله در القائل:
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيلا *** كادَ
المعلّمُ أن يكونَ رسول
( الدعاء
)
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس