recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان : من مظاهر الكبر والاستعـلاء والصد عن دين الله عز وجل - للشيخ / محمد حســن داود


خطبة بعنـــــــوان :
من مظاهر الكبر والاستعـلاء
 والصد عن دين الله عز وجل
للشيخ / محمد حســن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا

العناصــــــر:
-  الكبر في صفات المخلوق ذم وقدح .
- دعوة القران والسنة إلى التواضع ونبذ الكبر .
- من صور ومظاهر الكبر والاستعلاء.                        - أسباب الكبر وعلاجه .     
- عواقب الكبر والاستعلاء .                                   - من صور الصد عن دين الله .
الموضــــوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ الأعراف146) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف "  لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ " اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
فإن من القلوب ما يمرض ويصاب بالأسقام، كما تمرض وتصاب الأبدان، ولا شك أن أمراض القلوب لها خطرها وعواقبها الوخيمة، ولعل من أشدها " الكبر": فهو داء خطير، وشر مستطير، من ابتلي به قاده إلى كل سوء، ومنعه كل خير؛ قال تعالى ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ الأعراف146) وقال جل وعلا ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ غافر35) ومن ينظر القران الكريم يجد أن أول الذنوب التي عُصِي بها الله جل وعلا،  كان الكبر: قال تعالى ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ البقرة34) فالكبرياء في صفات المخلوقين ذم،بينما في صفات الله مدح، فهو سبحانه المتفرد بالعظمة والجلال والكمال والعزة، قال سبحانه وتعالى ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الحشر 22، 23) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ" رواه أحمد وأبو داود وابن حبان).
ولقد حذرنا القران الكريم من الكبر فقال الله جل وعلا (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان18، 19) كما حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللَّهِ؟ الْفَظُّ الْمُسْتَكْبِرُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ؟ الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْنِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّ اللَّهُ قَسَمَهُ " رواه احمد ) وعن حَارثَةَ بنِ وهْبٍ رضي اللَّه عنه قال: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: " أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ " متفقٌ عليه)
وفي مقابل ذلك حثنا صلى الله عليه وسلم؛ بقوله وفعله على التواضع وأمرنا به ؛ فمن قوله: ما جاء عنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال:" ما نَقَصَتْ صَدقَةٌ من مالٍ، وما زاد اللَّه عَبداً بِعَفوٍ إِلاَّ عِزّاً، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ " رواه مسلم) وما جاء انه صلى الله عليه وسلم قال"  إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ " رواه مسلم) . ومن فعله: ما جاء عن أَنس رضي اللَّه عنه " أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبيانٍ فَسَلَّم عَلَيْهِم وقال " كان النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَفْعَلُهُ" متفقٌ عليه) وعنه قال: أنَّ امْرَأَةً كانَ في عَقْلِهَا شيءٌ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي إلَيْكَ حَاجَةً، فَقالَ: يا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ، فَخَلَا معهَا في بَعْضِ الطُّرُقِ، حتَّى فَرَغَتْ مِن حَاجَتِهَا" رواه مسلم) ، وعن الأسوَد بنِ يَزيدَ قال: سُئلَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللَّه عنها: ما كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَصنعُ في بَيْتِهِ ؟ قالت: كان يَكُون في مِهْنَةِ أَهْلِهِ يَعني: خِدمَةِ أَهلِه فإِذا حَضَرَتِ الصَّلاة، خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ، رواه البخاري) ، وعن أبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيدٍ رضي اللَّه عنه قال: انْتَهَيْتُ إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهو يَخْطُبُ. فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، رجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ لا يَدري مَا دِينُهُ ؟ فَأَقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وتَركَ خُطْبتهُ حتى انتَهَى إِليَّ، فَأُتى بِكُرسِيٍّ، فَقَعَدَ عَلَيهِ، وجَعَلَ يُعَلِّمُني مِمَّا عَلَّمَه اللَّه، ثم أَتَى خُطْبَتَهُ، فأَتمَّ آخِرَهَا "  رواه مسلم) .
وعلى هذا الخلق الطيب كان الصحابة رضي الله عنهم ؛ فقد روي أن عن عمر بن العزيز رضي الله عنه أتاه ليلة ضيف وكان يكتب، فكاد المصباح أن يطفأ، فقال: الضيف أقوم إلى المصباح فأصلحه، فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قال: أفأنبه الغلام؟ أي الخادم، فقال عمر: هي أول نومة نامها، فقام وملأ المصباح زيتاً، فقال الضيف: قمت أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعاً) . وقال أبو بكر الصِّدِّيق، رَضِي الله عنه " لا يَحْقِرَنَّ أحدٌ أحدًا من المسلمين؛ فإنَّ صغيرَ المسلمين كبيرٌ عند الله تعالى ".  ولقد رأى ابن عمر رجلاً يجرُّ إزارَه خُيَلاءَ، فقال: " إنَّ للشيطان إخوانًا " ، وكرَّرها مرتين أو ثلاثًا"
فدعِ التكبرَ ما حييتَ *** ولا تصاحبْ أهلَه
فالكِبْرُ عيبٌ للفتـــى *** أبـــــدًا يُقبِّحُ فعلَه
عن ا بن مسعُودٍ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: "  لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ " فقال رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حسناً، ونعلهُ حسنا قال: " إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ " رواه مسلم) وعند الترمذي" وَلَكِنَّ الكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ".
- ومن ثم فأن من اشد صور الكبر عدم الخضوع للحق والانقياد له؛ ولقد سئل الفضيلُ رحمه الله عن التواضع ما هو؟ فقال: أنْ تخضع للحق، وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته " وما اشد عاقبة التكبر على أمر النبي صصلى اله عليه وسلم؛ فعن إِيَاس بْن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ، أَنَّ أَبَاهُ ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ ، فَقَالَ :" كُلْ بِيَمِينِكَ "، قَالَ : لاَ أَسْتَطِيعُ ، قَالَ : " لاَ اسْتَطَعْتَ "، مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ ، قَالَ : فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ". رواه مسلم)
وكذلك من صوره: غمط الناس، اى التعالي عليهم والتفاخر والاستهانة بهم : ولهذا صور كثيرة ومظاهر متعددة؛ منها :
- التكبّر على الناس بنعم الله جل وعلا؛ ولقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجَّلٌ شَعْرُهُ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ تَجَلْجَل إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". ولعل من نعم الله التي قد يتكبر بها أهل الغرور والعجب؛ العلم: فلا يلبث العالم المتكبر أن يتملّكه العجب بعلمه فيستعظم نفسه ويحتقر الناس؛ والنبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ" رواه أبو داود) ولله در القائل :
تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة *** فإن رفيع القوم من يتواضع
- الاختيال والتبختر والتعالي في المشي: وقد قال الله جل وعلا (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ) الاسراء38، 39). ويقول صلى الله عليه وسلم" مَن تعظَّم في نفسه أو اخْتَال في مِشْيته، لَقِي الله وهو عليه غَضْبان" رواه البيهقي) ولقد جاء أن مطرف بن عبد الله بن الشخير رأى من  يتبختر في مشيته؛ فقال: يا عبد الله ما هذه المشية التي يبغضها الله؟ فقال له: أتعرفني؟ قال نعم أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة ".  ولله در القائل :
لَا تَمْشِ فَوْق الْأَرْض إِلَّا تَوَاضُعًا *** فَكَمْ تَحْتهَا قَوْم هُمُ مِنْك أَرْفَـــع
- الإعراض بالوجه عن الفقراء والضعفاء واعتزال مجالسهم كبرا وعجبا؛ ولقد قال الله جل وعلا (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان18)
وإذا كانت أسباب تملك الكبر من القلب ؛ تتمثل في ضعف الوازع الديني، وكذلك الحقد والحسد، وأيضا، الأنانية، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ) ومن ثم فيكون علاج هذه الآفة متمثلا في:
أن يُذكر الإنسان نفسه بحق ربه عليه ، ويَعرفُ نفسه وأصله، ويعرف فقره وحاجته، فإنه إذا عرف حق ربه حق المعرفة؛ علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله، وإذا عرف نفسه علم أنه ضعيف ذليل لا يليق به إلا الخضوع لله والتواضع والذلّة له، وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ )فاطر 15- 17) هذا جانب. ومن جانب آخر:  أن يدرك المتكبّر أن مقياس الإنسان قلبه وعمله؛ فقد يكون من يتكبر عليه أو يسخر منه خيرًا منه عند الله، ولقد قال الله جل وعلا  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ) الحجرات11) وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ يُسْتَمع، قالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِن فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقالَ: ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ لا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ لا يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ لا يُسْتَمع، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا خَيْرٌ مِن مِلْءِ الأرْضِ مِثْلَ هذا" رواه البخاري) ومن علاج هذا الداء، أيضا: محاسبة النفس، أولا بأول؛ فقد قال الله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )الحشر18) ويقول عمر ابن الخطاب t" حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا " ومنه أيضا طلاقة الوجه مع الناس وتقديم الخير للناس عطفا ورحمة وتكافلا وحبا ومودة؛ ولنا من قول الحبيب المصطفي r خير دليل ؛ فلما جاء إليه رجل يشكو قسوة قلبه ؛ قال له صلى الله عليه وسلم " أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ؟"، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَدْنِ الْيَتِيمَ إِلَيْكَ، وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُلَيِّنُ قَلْبَكَ، وَتَقْدِرُ عَلَى حَاجَتِكَ" .
إن الكبر داء خطير؛ يبغضه الله جل وعلا ويبغض أهله ؛ قال سبحانه وتعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ النساء36) وقال جل وعلا﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ لقمان18) وقال عز وجل (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) النحل 23) ومن ينظر القران الكريم يجد انه كان سبب هلاك الأمم قبلنا؛ فعن قوم نوح؛ يقول الله جل وعلا على لسان نبيه نوح عليه السلام (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا )نوح7) وفي قوم عاد يقول جلا ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ *  فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ ) فصلت 15، 16) ويقول جل وعلا ( وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ العنكبوت 38- 40) غير أن من سوء عواقبه: أنه يذهب بقدر المرء عند الله جل وعلا؛ وكأن الجزاء من جنس العمل؛ فكما كانوا يتعالون على الناس في الدنيا، يفضحهم الله على رؤوس الخلائق في الآخرة، وكما كانوا يتكبرون على الناس في الدنيا فهم يوم القيامة في ذل ومهانة إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم  "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِى صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ..." ومن ثم فكفي بالإنسان هلاكا أن يتملك الكبر من قلبه ولقد قال الله جل وعلا  ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ الأعراف40، 40) فهم وقود النار وأهلها ؛ قال تعالى (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ الزمر72) وقال سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر60) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ قَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي.وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا " رواه مسلم )
إن من اشد صور الصد عن دين الله جل وعلا ؛ نشر الأفكار المغلوطة والمفاهيم المتطرفة، وتبني الدعوات الهدامة ونشر التكفير؛ وهذا ما عليه الجماعات الإرهابية سفهاء الأحلام، حدثاء الأسنان ؛ يَدَّعون أنهم أهل الصلاح والفضيلة ، وما هم أهلا لذلك؛ فإن تنظر إلى أفعالهم وحقيقة قولهم ترى النفاق والصد عن دين الله جل وعلا واضحا جليا، ترى الهدم والتخريب؛ مع أن الإسلام دين البناء والتعمير، دين الرحمة والسماحة والإنسانية والسلام دين الوسطية والاعتدال؛ أولئك ذمهم الله عز وجل في كتابه وحذر من السعي على نهجهم أو الاصطفاف في صفوفهم أو الميل لهم باى صورة كانت فقال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ )البقرة 204-206) .
(اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق ، واصرف عنا سيئها)
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent