recent
آخر المشاركات

خطبة الجمعة القادمة: التكافـل المجتمعـــــي، حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا - للشيخ / محمد حسـن داود (22 شعبان 1443هـ - 25 مارس 2022م)

 خطبة بعنوان: التكافـل المجتمعـــي
حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا
للشيخ / محمد حســـــــن داود
22 شعبان 1443هـ - 25 مارس 2022م

العناصــــــر:      مقدمة :
- مكانة الوالدين ودعوة الإسلام إلى برهما.
- فضل بر الوالدين، وعواقب عقوقهما.
- دعوة إلى بر الوالدين.

- حقوق المسنين والضعفاء وفضل إكرامهم في الإسلام.

الموضــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) (لقمان14) وقال سبحانه (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (النساء36) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ" (رواه البخاري في الأدب المفرد) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن الإسلام دين يدعو إلى التعاون والتكافل المجتمعي، وهذا من أجل القيم التي جاء بها، وما أعظم اهتمامه بالقيم، وإذا كان هذا من قيم الإسلام فلا شك أن "الوالدين" أحق الناس بها، فلهما في الإسلام منزلة سامية ومكانة عالية، هذا من جانب، ومن آخر: أن النفوس مجبولة على حب من يحسن إليها ويرعاها ويكفلها، ولا شك أن أكثر الناس فضلا واحسانا وبرا للعبد في صغره وكبره، هما الوالدين، فكانا الأحق إحسانا وبرا وحنانا وتكافلا: قال تعالى (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الاسراء23) وقال سبحانه ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان14) قال ابن عباس (رضي الله عنهما): "فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يُقبل منه".

نعم، لبر الوالدين مكانة عظيمة ودرجة عالية رفيعة، فهو:

- وصية إلهية، فقد قرن الله (سبحانه وتعالى) ذكرهما بذكره، وشكرهما بشكره، وجاء الأمر بطاعتهما بعد الأمر بعبادته، قال تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الاسراء23/24) وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً) (الاحقاف15) ويقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ".

- ووصية نبوية فعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ، قالَ: "...وَلا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ... " (رواه احمد) ولما جاءه رجل، فقال: يا رسول اللّه، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ" (متفق عليه).

- من أحب الطاعات إلى الله؛ فعن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (متفق عليه).

- وهو هدى الأنبياء، وخلق الأولياء، وحلية الأصفياء، وسلوك الأتقياء، فمن دعاء نوح (عليه السلام) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (نوح 28) ومن دعاء إبراهيم (عليه السلام) (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)(ابراهيم41) ومن دعاء سليمان (عليه السلام) (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل19) وعن يحي (عليه السلام) يقول الله (جل وعلا) (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) (مريم14) وهذا عيسى (عليه السلام) عن بره بأمه يقول كما حكي القران (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) (مريم 32)

ومن هذا يتجلى لنا مكانة الوالدين وعظم أمرهما؛ إذ قال فيه النبي (صلى الله عليه وسلم):‏ "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ‏". وذاك رجل يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته، إذ قال لابن عمر (رضي الله عنهما)أترى أني جزيتها؟ قال: "لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً".

ومن جملة برهما: طاعتهما، والاعتراف بفضلهما، وتوقيرهما، وتقديمهما بالخير، واحترامهما، وإدخال السرور عليهما، والدعاء لهما، وصلة أهل ودهما، وإنفاذ عهدهما، والإنفاق عليهما، فقد قال الله تعالى (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان 15) ولا يقف برهما عند حياتهما فحسب؛ بل يمتد إلى ما بعد مماتهما، فلما سئل النبي (صلى الله عليه وسلم): هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ صلى الله عليه وسلم:" نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا" (رواه أبو داود).

إن فضل بر الوالدين عظيم، وأثره طيب كريم:

-  ففيه زيادة العمر والرزق، إذ يقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " (رواه احمد).

- تحصيل الخير بدعائهما: فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ".

- غفران الذنوب: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ؟ قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ" ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبِرَّهَا "(رواه الترمذي)

- تفريح الكربات وإجابة الدعوات: ولقد علمتم أمر أصحاب الغار (الثلاثة الذين أصابهم المطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم)؛ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ " بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ ".فدعا الأول بما كان منه طاعة لوالديه وبرا ورعاية وإحسانا، ودعا الثاني بصدقه في البعد عن الفحشاء، وقصد طاعة الله (جل وعلا)، ودعا الثالث بما كان من حفظه للأمانة ورد الحقوق؛ كانت النجاة من الهلاك، إذ فرج الله عنهم ما كانوا فيه. (والقصة بتمامها في صحيح البخاري).

- سبب لدخول الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ" رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ" مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"(رواه مسلم).

وكما جعل الله (عز وجل) للبر فضائل، كان للعقوق عواقب، فلقد عده النبي (صلى الله عليه وسلم) من الكبائر؛ فعن أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا، الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ"، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ".

ويكفى في عواقبه قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(الرعد25)وقوله سبحانه (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ (محمد (22/23) ويقول النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ يُعَجِّلُ لَصَّاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ". وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوث". وقال أيضا " لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ،...".

لقد أمرنا الله تعالى ببر الوالدين فقال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) (لقمان14) ودعانا إلى شكرهما فقال تعالى: (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان14) وحثنا على صحبتهما بالمعروف فقال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان 15) ووجهنا إلى حسن المعاملة معهما فقال: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الاسراء23/24) وأكد على الدعاء لهما فقال: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (الاسراء24)، ونهانا عن عقوقهما فقال:( فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) (الاسراء23).

فاعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان. وقد حكي أن شابا كان بصحبة والده في رحلة الحج وفى رجوعهما أراد الأب أن يقضى حاجته، فقال لابنه انطلق مع القافلة وسألحق بكم، ومضى الشاب مع القافلة وبعد وقت ﺍﻟﺘﻔﺖ الشاب فوﺟﺪ أن والده قد تأخر كثيرا عن القافلة، فأسرع إلى والده يحمله على ﻛﺘﻔيه، متجها به نحو القافلة، وإذا به يشعر بدموع والده تتساقط على رأسه، ﻓﻘال يا أبى، والله ما أجد مشقة في حملك، فيجي الوالد، يا بني، ليس لهذا بكيت، ولكن في هذا المكان حملت أنا والدي.

 وذاك آخر ضاق بوالده المسن فصنع له وعاء خشبيا؛ حتى لا تنكسر منه الأطباق لرعشة يديه، فسأله اصغر أبنائه عن سبب صنع هذا الإناء، فأجاب لنضع فيه الطعام فإذا وقع من يديه لا ينكسر، فقال الولد: نعم، حتى إذا صرت في سن جدي وارتعشت يداك وضعنا لك فيه الطعام .

إن من أجل مظاهر التكافل المجتمعي: العناية بالضعفاء والمحتاجين وإكرام كبار السن؛ فقد قال النَّبِيُّ: (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):"هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ"(رواه البخاري) ويقول أيضا: "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ" (رواه أبو داود). فهو خلق الأنبياء، هذا سيدنا موسى (عليه السلام)، يقول جل وعلا حكاية عنه (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) فكيف كانت الإنسانية والمروءة أمام حاجة بدت من ضعيفين: المرأة والشيخ الكبير؟ قال تعالى: (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص23) وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم)، كما جاء عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا"(رواه مسلم).

فما أحوجنا إلى تحقيق التعاون والتكافل المجتمعي في أسمى الصور وأرقاها، فقد قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة 2) وقال: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (الحج 77) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" (متفق عليه) وقال: "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" (رواه مسلم).

الناس بالناس ما دام الحياء بهــم *** والسعد لا شك تارات وهبــــــــات
وأفضل الناس بين الورى رجــــل *** تُقضى على يده للناس حاجـــــات
لا تمنعن يد المعروف عن أحـــــد *** ما دمت مقتدراً فالسعد تـــــــارات
واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت *** إليك لا لك عند الناس حاجــــــــات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهــم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات

نسأل الله أن يجعلنا من أهل البر والمعروف في الدنيا والآخرة
وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء

كتبه: محمد حســن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf    جوجل درايف     ----        اضغط هنا

google-playkhamsatmostaqltradent